
السودان.. كابوس (صواردة) لازال جاثماً

بدافع الخشية على أرواحهم، وعلى البيئة من التلوث بالسموم، يجاهد أهالي منطقة صواردة وما جاورها من قرى في شمال السودان منذ سنوات، لمنع تشغيل مصنع تعدين يستخدم السيانايد المحرم دولياً في معالجة مخلفات الذهب، لكن تلك الجهود قد تصبح بلا جدوى في ظل صمت الجهات الحكومية المعنية.
صواردة، أرور، اشيمتو، واوا، عبود، كويكة، ست قرى بوحدة عبرى الإدارية يمحلية حلفا تواجه منذ العام 2016 ما يصفه الأهالي بكابوس مصنع “الشركة الدولية للتعدين صواردة”، والذي أقيم بغرض معالجة مخلفات تعدين الذهب باستخدام مادة السيانيد القاتلة.
يعتبر السيانيد من أخطر المواد غير العضوية السامة للإنسان، إذ يمكن أن يؤدي إلى الموت خلال ثوانٍ معدودة بسبب نقص الأكسدة الخلوية التي تصيب الخلايا.
ويستخدم السودان بشكل واسع سيانيد الصوديوم في معالجة فلز الذهب، ويحتاج الإنسان إلى كمية لا تتجاوز 0.2 من الغرام حتى يلقى حتفه المباشر خلال ثوان.
ويؤدي استنشاق السيانيد، بحسب موسوعات علمية، إلى تسمم الجسم عن طريق إيقاف عمليات الأكسدة الخلوية وموتها، قبل ذلك يعاني الإنسان من أعرض سريرية متعددة منها: الشعور بالدوخة والغثيان والتقيؤ وفقدان الوعي، وبالنهاية توقف القلب والموت المفاجئ.
وأشارت الدراسات الحديثة إلى أن استنشاق 200 إلى 500 جزء من هيدروجين السيانيد موجودة في مليون جزيء من الهواء لمدة 30 دقيقة، تؤدي إلى موت الإنسان.
ودرجت شركات التعدين على إقامة مصانع كبرى لجمع مخلفات التعدين (الكرتة)، واستخلاص الذهب منها عن طريق استخدام المادة السامة، ومن بينها مصنع صواردة.
الطاقة الانتاجية للمصنع تبلغ 600 طن في اليوم، ما تجعله أكبر مصنع لمعالجة مخلفات التعدين في الولاية الشمالية، لكنها تنذر أيضاً بحسب نائب رئيس لجنة الأهالي، حسين سكر، بتحويل المنطقة المحيطة لـ”أكبر مكب للسموم ومخلفات المعالجة الأخرى”.
استنشاق 200 إلى 500 جزء من هيدروجين السيانيد لمدة 30 دقيقة، تؤدي إلى موت الإنسان.
قال سكر إن اللجنة قدمت نيابة عن الأهالي طلباً لحكومة الولاية بإيقاف العمل بالمصنع لحين إجراء دراسة لتأثيراته على البيئة وحياة الناس، إلا أن تلك المطالب وجدت التجاهل التام حتى اضطر أهالي القرى لتنفيذ وقفة احتجاجية في 8 فبراير 2017، أعلنت بعدها حكومة الولاية عن إيقاف العمل لحين إجراء الدراسة.
وبعد مرور شهور معدودة على ذلك الإعلان عاودت سيارات النقل والشاحنات الضخمة نشاطها في محيط المصنع، وتقدم الأهالي مرة أخرى بمذكرة لوالي الولاية الشمالية الجديد ياسر يوسف، تجدد ذات المطالب، وتُذكر بقرار حكومة الولاية السابق في هذا الشأن، لكن انتظار الأهالي لرد الوالي طال حتى كتابة هذه السطور.
المذكرة المؤرخة بـ30 اكتوبر 2018 تورد نصاً: “بكل احترام لشخصكم نتقدم بخطابنا هذا لكم كراعٍ للرعية، نحن المهددون بالموت بقيام (مصنع الشركة الدولية للتعدين بصواردة) والتي تستخدم مادة السيانايد المحرمة دولياً، لقد خاطبنا وطالبنا حرصاً على سلامة أهل المنطقة والبيئة من التلوث من مخلفات المصنع كل الجهات بالوحدة الإدارية والمحلية والولاية، وكل الجهات ذات الصلة بإيقاف الأعمال الانشائية للمصنع حتى التأكد من سلامة أعماله وعدم إضراره بالبيئة، لكن لا حياة لمن تنادي”.
وتضيف: “مطالبنا ضرب بها عرض الحائط، وقد واصلت الشركة عملية التشييد رغم رفض أهالي القرى الست تماماً، واحتجاجاتهم التي شملت وقفة احتجاجية كبرى في 8 فبراير 2017 خاطبها وزير التخطيط العمراني نيابة عن الوالي، ووعد خلالها بإيقاف العمل وهو ما لم يحدث”.
