رأي

وعلى الجزيرة نشفق .. رهائن بلا بواكي

محمد عبد الحكم

لم يجلدهم خاطفون.. بل جلدناهم جميعا.. لم يطلق مسلحون ليبيون النار عليهم ، بل اطلقها طاغية يتربع على كرسيه بالحديد والنار ، تصفق له جوقة من الفاسدين السفلة.

ابناء الجزيرة و المناقل ، يجلدون ويضربون في صحاري ليبيا ، في مشهد خلته هوليوودي، مشهد مفزع، يفطر الأفئدة، و صفقاء البلاد يلهبون بأيديهم الأجواء سعيا لرئاسة أبدية لطاغية متجبر، يسري الظلم في عروقه بإنهمار غزير، تسنده قوات لا تأبه لأحد سواه، وتضرب بيد من حديد على كل منتقد لمفداهم صاحب الجلالة، تعرف مهنة البصاصة على اكمل وجه حين القدح في سادتهم ونظامهم الفاسد، وحين يتعلق الامر بقضية وطن، وشباب في قبضة الأسر اللعين ، فزبانية النظام “يجهلون فوق جهل الجاهلينا”.

نعم جلدناهم جميعا ، أسرانا المعذبين في رمال صحاري العرب “رهائنا”، جلدناهم “قبلا ” بإطباقنا على أفواهنا والأنباء تنسرب من هنا وهناك عن سلاح يغادر ارضنا لدعم حلفاء للنظام ، ربما أرتد رصاصه على ابنائنا الآن، و أموال تتسرب من خزائن أرضنا لنصرة آخرين، وإثراء فاسدين من عصبة أدعياء التقوى، المتأسلمين بغير إسلام.

نعم ، عذبناهم نحن، بصمتنا المريب، و كأنها قضية صبية في أدغال الامازون “رغم ان الانسانية تلزمنا بدرء الظلم عن الضحايا اينما كانوا” … عذبناهم بإصرارنا المتلاحق على تثبيت أركان “شجرة الظلم والفساد” و هتاف شق عباب السماء، كل حين “سير سير يا …. ” ها هو قد سار فقادنا لهاوية بلا مستقر، ووضع ابنائنا تحت سياط المسلحين ونيرانهم.

ليست “ام حجار” ولا “غنيوة” ولا “حلة بشير”، ولا “الياس” ولا “الشويرف” من يستحق شفقتنا لاجل المصاب الجلل ، بل هي المناقل، والجزيرة، والانسانية في السودان برمته، تستحق الشفقة على صمتها، والرثاء عليها، خاصة أولئك اللاهثين خلف لعق أحذية أباطرة الفساد السرطاني المستحكم، والخانعين لسلطات البطش والوحشية.

هي المناقل … أخرجت فلذات اكبادها –كما فعل كل السودان- الى دول الشتات، بحثا عن رزق يقيها شر مسغبة “لم تعهدها قبلا”، بعضهم ابتلعه “القبر الابيض المتوسط” في رحلة مراكب الموت الى قارة كانت تدور ماكيناتها بذهب الجزيرة الابيض، و تتحرك أدواتها الاقتصادية بحصاد المناقل الوفير .

الآن تبكي ، بلا وجيع ، نسوة ثكالى في ام حجار ، ورجال يضربون الكف على الكف، بحيرة مذهلة ، ونوابهم في برلمان “البصم بالعشرة” منشغلون بتعديل مادتين في الدستور لأجل سيدهم الخالد المخلد في الحكم ، متناسين واجبهم المقدس تجاه شعب إدّعوا – زروا وبهتانا- انهم ممثلوه ، بل لن يضيرهم أن يمثّلوا بجثته ويرقصوا على ايقاعات موته رفقة “سيدهم” الرئيس الخالد! .

هو التاريخ وحده من يروي المقولات الخالدة ” ماضاع حق وراءه مطالب” .. طأطأنا الرؤوس دهرا ، فدارت علينا الدوائر .. قاتل عديد ابنائنا “المغرر بهم” في حرب الانقاذ الدينية ، فانتقل بعضهم الى رحاب الله ” شهيدا” –حسبما يعتقد البعض و كنه مماته عند عزيز مقتدر – .. المدينة التي رفدت الجزيرة والسودان بخير شبابها ، ووافر ثرواتها ، و ناضج ثمارها ، لم تجد من عصبة الكهنوت سوى سياط ألهبت ظهرها ، وطعنات غادرة أدمت فؤادها المكلوم على رجال ونساء بذلوا الغالي والنفيس لأجل الوطن الكبير و الأرض الأم ، فأذّلت عُصبة الفساد أعزاء المناقل و زجتهم بغيابة السجون، و بعثت بهم الى مرارات المنافي، واستبدلت “هلاليها” المضئ ورفقته الأماجد من رجال البر والإحسان ، برأسمالية فاسدة متعفنة ، لا تملك شروى نقير لغير إرضاء السيد “الورع الجليل”!.

وفرضت علينا أعيانا جدد ، كانوا بغاث لا نعلمهم .. لم نرى منهم قديم يٌشكَر ولا جديد يُمتَدَح .

ان خانتكم زمرة فاسدين ، فالشوارع لا تخون.. أرفعوا أصواتكم عالية، فالصمت إبن الخنوع، و ما “حكّ جلدك مثل ظفرك .. فأنطلق” .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ