رأيعلاء الدين محمود

من يقف وراء ترامب؟

علاء الدين محمود

لم يختلف الرئيس الأمركي دونالد ترامب في قراره الأخير، باغلاقه أسوار بلاده أمام عدد من الجنسيات بهدف “حماية الأمة من دخول إرهابيين أجانب إلى الولايات المتحدة”، عن ذلك الموقف في الغرب تجاه الآخر الذي لا ينتمي إلى الثقافة الغربية، التي تعلي المركزية الغربية من شأنها وتنسج حولها الأساطير والسرديات، وربما يصبح من العبث أن نُرجع قرارات وتصرفات ترامب إلى محض  مشهدية درامية تنتج المواقف بصورة لحظية منفلتة عن العقل والمنطق، هذه التبريرية تبرز كمحاولة إلى تقييد الواقعة ضد “مجنون”، وتغبش المشهد من أجل طمس أدلة الجريمة، والمتمثلة في تأسيس لفاشية جديدة، بتواطؤ كبير من النخبة التي تتوارى خلف المشهد، وقرار ترامب الأخير يحمل الكثير من ملامح هذا التأسيس، وهو القرار الذي يقسم البشر وفقاً لمعتقداتهم وأديانهم وثقافاتهم.

ولئن ذهب كثيرون إلى أن ترامب يمثل حالة شاذة، فإن واقع الحال يشير إلى مثقفين ومفكرين كبار نحو ذات المنحى، ولم يستطيعوا الإفلات من التفكير وفقا للمركزيةالغربية، وربما صدم كثيرون في أطراف العالم وهم يستمعون إلى فلاسفة يميلون يساراَ، أو يحملون فكرة النيو ماركسية، أو يؤسسون لبيان جديد للعدالة الاجتماعية وهم يتحدثون عن إنسان هذه الأطراف، أو بالمقابل عندما يتحدثون عن الإنسان الأوروبي المختلف في تفكيره وعادته التي تحال إلى أعوام وتواريخ طويلة من الحضارة المتواصلة والرقي، ليصبح “هذا هو الإنسان” الهادي إلى الأنوار، إذ أن تلك هي رسالته تجاه العالم في سياق نقله حضارياً من ظلماته، إلى نور الحياة على الطريقة الغربية، فترامب لا يقف في جزيرة معزولة ولا يغرد خارج سرب “النظام”.

وكثيرون خُذِلوا في مفكرين أعلنوا أنحيازهم لتحرر الإنسان في كل مكان، مراكسيين جدد او ثوريين، وربما من الأمثلة الساطعة على ذلك المفكر والفيلسوف الكبير سلافوي جيجيك الملقب في الغرب بـ”الفيلسوف الأكثر خطراً في الغرب”، لطبيعة النقد الذي ظل يقدمه ضد الرأسمالية متأثراً بالأفكار النيو ماركسية، وكذلك للموضيع التي ظل يطرقها في كتاباته يكتب خاصة حول الرأسمالية، والأيديولوجيا، والعنصرية، والتعددية الثقافية، والعولمة، وكذلك القضايا الخلافية في الغرب مثل الموقف من حرب العراق، والموقف من الشمولية، وهي المواضيع التي طرقها بشدة حتى لقب بالفيلسوف المتعولم.

غير ان أحاديث سلافوي حول العقل الأوروبي والاخر، قد وجدت استهجاناً كبيراً خاصة تلك المتعلقة بقضية اللاجئين في أوروبا، فهو لم يكن بعيدا عن موقف اليمين الأوروبي إن لم يكن منسجماً ومتطابقاً معه، بل وذهب جيجيك إلى أبعد من ذلك عندما دعا اليسار في أوروبا إلى التمسك بما أسماه “قيمه الأوروربية”، وغيرها من أفكار تبدو منسجمة مع فكرة المركزية في مقال كتبه عقب أحداث باريس عام 2015، عندما تعرضت مدينة “النور”، إلى هجوم “بربري إرهابي”، ويبدو أن مثل هذه الكتابات عادة ما تظهر في أعقاب مثل هذه الأحداث، التي تصنع لحظة يخرج فيها هؤلاء المفكرين مباشرة مثل هذه الأفكار التي تحتفظ في قعر العقل بفكرة تكرس لوجود أمة أو جماعة متفوقة، مقابل أخرى دونية، وفي ذلك المقال دعا جيجك مباشرة إلى : “صياغة حدٍّ أدنى من النماذج ليتبعها الجميع، وتتضمن الدين والمرأة.. إلخ، بدون أن يخشى المرء منا أن يوصف هذا النموذج بسمة المركزية الأوروبية”، ويذهب إلى أبعد من ذلك عندما يرى ان اللاجئين القادمين من أطراف العالم، ومن العالم الإسلامي يصعب عليهم الانسجام داخل المجتمع الأوروبي لكونه لا يعلمون شيئاً عن القيم الأوروبية، إن جيجك هنا يبرز كمتمثل وممثل لهذه القيم وللمركزية التي أنتجتها، بينما ننظر إليه نحن كمتمرد على “النظام”.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ