رأي

مفاوضات الحكومة والحركة الشعبية شمال .. ماذا وراء التعليق؟!

تقرير – سفيان نورين
أثار القرار المفاجئ لوساطة دولة جنوب السودان، لسلام السودان، الثلاثاء الماضي، برفع جلسات التفاوض المباشرة بين الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية – شمال، بقيادة عبد العزيز الحلو، إلى أجل غير مسمى، أثار العديد من التساؤلات بشأن أسباب صدور القرار، وهل وصلت المحادثات إلى طريق مسدود، أم أن هنالك نقاط خلاف تعثر تجاوزها، وبالتالي إعطاء الأطراف مزيداً من الوقت للتشاور حول نقاط الاختلاف، لا سيما أن الوساطة لم تحدد موعداً لاستئناف التفاوض، وموقف كل طرف من تلك النقاط الخلافية؟!


تهيئة الظروف
اكتفى البيان المشترك لرئيس وفد التفاوض الحكومي، شمس الدين كباشي، ونظيره في الحركة الشعبية، عمار أمون، بالإشارة إلى توصل الطرفين إلى تفاهمات على معظم المحاور والقضايا التي وردت في مسودة “الاتفاق الإطاري”. ولم يتم الوصول إلى قرارات نهائية حول عدد من القضايا، دون تسمية تلك القضايا والنقاط موضع الخلاف، مما يفتح الباب واسعاً أمام التكهنات بانهيار المفاوضات.


وبحسب رئيس فريق الوساطة، توت قلواك، فإن الوساطة ستقوم بإجراء اتصالات بين وفدي الحكومة السودانية والحركة الشعبية، لتقريب وجهات النظر لتهيئة الظروف وانطلاقة جولة التفاوض القادمة.
خلافات محدودة
ويأتي القرار قبل ساعات من إعلان وساطة دولة جنوب السودان، بأن اجتماع (الثلاثاء) سيكون حاسماً بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية – شمال، بغية توقيع اتفاق إطاري بين الطرفين.

والجمعة، أكد وزير شؤون مجلس الوزراء، الناطق الرسمي باسم الوفد الحكومي المفاوض، خالد عمر، أن مسار التباين بين الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية بمفاوضات جوبا محدود للغاية، وأنه سيتم تجاوزه.
إصلاح أمني
إلا أن الحركة تتمسك وفق لمقترحها بقضايا تصفها بالمفتاحية بتوقيع الاتفاق الإطاري مع الحكومة الانتقالية، وهو إصلاح الأجهزة الأمنية قبل إجراءات الترتيبات الأمنية ودمج الجيوش بما فيها الدعم السريع في القوات المسلحة، وأن المشورة الشعبية حول مستقبل جبال النوبة والنيل الأزرق، إلى جانب تكوين مجلس إطاري من رؤساء الأقاليم تؤول إليه صلاحيات رئيس الجمهورية، بدلاً من المجلس السيادي الحالي وأن تقتصر مهام رئيس الوزراء على أداء الجهاز التنفيذي.
رفض رسمي
وفي وقت سابق لجلسة (الثلاثاء)، تناقلت وسائط إعلام محلية رفض وفد الحكومة السودانية لمطالبات من الحركة الشعبية، بسحب البسملة، وتبديل عطلة يوم الجمعة، وقالت إن رئيس وفد الحكومة، شمس الدين كباشي، أبلغ رئيس الحركة الشعبية – قطاع الشمال، عبدالعزيز الحلو، رسمياً برفض إزالة البسملة من الخطابات الرسمية للدولة، وتغيير العطلة من الجمعة إلى الأربعاء.
أبرز القضايا الخلافية في طاولة المفاوضات الجارية بدولة جنوب السودان: الترتيبات الامنية، الحكم والإدارة، الاقتصاد والشؤون الاجتماعية، النظام القضائي، وعلاقة الدين بالدولة.
وكانت الحكومة السودانية قد وقعت في مارس الماضي إعلان مبادئ مع الحركة الشعبية، حيث وقع رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، عن الحكومة، ووقع عبد العزيز الحلو عن حركته، وذلك بهدف استكمال عملية السلام التي انطلقت في جوبا والوصول لسلام نهائي.
وفي مايو الماضي، انطلقت في جوبا جلسة مفاوضات إجرائية بين الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية – شمال، تلتها جلسات تفاوض مباشرة بين الجانبين.
وتسيطر الحركة الشعبية شمال التي تقاتل القوات الحكومية في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق منذ يونيو 2012، على مناطق استراتيجية في جنوب كردفان، كما تحظى بتأييد في أوساط المجتمع المحلي.

الحلو
عبد العزيز الحلو – الجيش الشعبي

تمترس الحلو
يرى الخبير الأمني د. طارق محمد عمر، أن السبب الرئيس وراء تعليق المفاوضات بين الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية – شمال، دون توضيح الأسباب الرئيسية لذلك، هو تمترس الحركة في مواقفها والإصرار على قبولها كاملة.
وأضاف عمر، في حديثه لـ (الجماهير)، بأن المشكلة الرئيسة الأخرى هي إصرار رئيس الحركة عبد العزيز الحلو على فصل الدين عن الدولة، مع علمه بوجود أكثر من (99%) من الشعب السوداني مسلم الديانة، وأنه يرفض ذلك البند وإن وافقت عليه الحكومة الانتقالية – على حد وصفه.
استهلاك سياسي
ومضى بأن رفع جلسة التفاوض إلى أجل غير مسمى، ودون تحديد موعد قريباً لاستئنافها، يفتح الباب أمام تكهنات فشل التفاوض وعدم إحراز تقدم ملحوظ في النقاط الخلافية، لا سيما علمانية الدولة والمشورة الشعبية في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان.
وعد عمر تصريحات وساطة جوبا للسلام في السودان والحكومة السودانية، بوصول طرفي التفاوض إلى مراحل متقدمة في العلمية السلمية، بأنه حديث للاستهلاك السياسي، وأن تعليق المفاوضات يكذب ذلك.
بيد أنه استدرك بالقول: “يمكن لجلسات المفاوضات غير المباشرة أن تقرب وجهات النظر في النقاط الخلافية، ولكن ليس مجملها”.
مواقف صلبة
ورهن الخبير الأمني توقيع الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية – شمال، على الاتفاق الإطاري، بتدخل الولايات المتحدة الأمريكية، ومطالبة رئيس الحركة الحلو بالقبول بعملية التوقيع على الاتفاق، وزاد: “القصة بيد أمريكا، حتى إن أرادت حضور الحلو إلى الخرطوم”.
ودعا الحركة الشعبية – شمال لتقديم مصلحة السودان على أجندتها الشخصية، وألا تتمترس في مواقفها الصلبة، إلى جانب الرضوخ على عملية استحقاق السلام أسوة بحركات الكفاح المسلح، التي وقعت اتفاق السلام مع الحكومة الانتقالية في أكتوبر الماضي.
أجندات تعجيزية
وبحسب المحلل السياسي، د. عبد اللطيف سعيد، في حديثه لـ (الجماهير)، فإن رفع وساطة دولة جنوب السودان جلسة التفاوض بين الحكومة السودانية وحركة عبد العزيز الحلو، تم جراء تمسك الحركة الشعبية – شمال بأجندات معينة يصعب التنازل عنها.
وأكد أن عملية التفاوض تتطلب المرونة التي لا تتسم بها الحركة، خاصة رئيسها عبد العزيز الحلو. وتابع: “هذه الأجندات تعجيزية يصعب على وفد الحكومة المفاوض قبولها وتطبيقها، لجهة أن الشعب لا يوافق عليها”.
ولفت إلى أن تعليق المفاوضات في الوقت الذي استبقت الوساطة وأطراف التفاوض بالتوصل لاتفاق إلى أكثر من (80%) من النقاط الخلافية يؤكد بوضوح رفض الوفد الحكومي المفاوض، خاصة رئيسه شمس الدين كباشي لأجندات الحركة الشعبية – شمال التي تم النقاش حولها في جلسة التفاوض.
استفتاء شعبي
استبعد سعيد استئناف عملية التفاوض قريباً رغم الجهود التي تبذلها الوساطة وجلسات المفاوضات غير المباشرة، للتوصل إلى اتفاق بين الجانبين، مؤكداً أن النقاط الخلافية حول علمانية الدولة والمشورة الشعبية لا تتم إلا عبر استفتاء شعبي ومؤتمر دستوري لحكومة أو مجلس تشريعي منتخب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ