الجودة قادمرأي

في نقد الفكر اليومي.. “تعقيب و تصحيح”

الجودة قادم

أرسل لي الأخ والصديق كمال ابراهيم اسماعيل المحامي، تعقيباً على مقالي المنشور بعنوان:
” في نقد الفكر اليومي – فورة العصيان ينقصها الوعي ” .
أعد كمال تعقيبه على المقال كتعليق أراد نشره في خانة التعليقات أسفل المقال في الصحيفة ولكنه فشل لأسباب فنية فأرسله لي عبر الايميل.
تناول كمال في التعقيب بعض الأفكار التي أوردتها في مقالي، وقدم حولها ملاحظات في غاية العمق، واستكشف جوانباً وزوايا في غاية الأهمية، فأثرى تصوري عن المسألة بتحليله ومناقشته، ومتعني بروح السخرية والاشارات الذكية، ثم صحح لي معلومة حول كتاب مهدي عامل ( في نقد الفكر اليومي ) ما جعلني أشعر بأهمية نشره كمقال قائم بذاته.

أدناه نص التعقيب:
بالامس كتبت هذا التعليق وحاولت إرساله في مساحة التعليقات على صفحتك ولكن فشلت.
أدناه تعليقي على المقال:
تحياتي ياالجودة
قرأت هذا المقال الجيد وأود ان أسجل الملاحظات التالية:

سرني جداً هذا التوظيف المبدع لمصطلحي (إرادة التغيير) و(فكرة التغيير) وأن يكون هذا في شهر الفداء العظيم، يجعل الأمر احتفالاً من نوع آخر بالاستاذ محمود، وأرجو أن يكون هذا مدخلاً لقراءة فكره السياسي الذي لم يتوفر عليه أحد حتى الآن. فقط أود التعليق على الفقرة التالية من مقالك:
( … لقد توفرت عندهم أولى شروط الثورة و هي إرادة التغيير، ولكنها غير كافية لتحقيق ثورة ناجحة، فلا بد لإرادة التغيير من أن تستكمل بمعرفة وسائل التغيير والعمل على امتلاك تلك الوسائل، أي فكرة التغيير، وذلك هو الوعي السياسي. ولا سبيل الى الوعي السياسي الا بالعمل السياسي المنظم، ما يعني العمل في أحزاب وتنظيمات سياسية. إن إرادة التغيير عند الجماهير يمكنها أن تسقط الحكومات وأن تهدم النظام الفاسد ربما، ولكن لا يمكن لها أن تنجز ثورة ناجحة دون رافعة سياسية، أي دون جهة منظمة على أساس سياسي. تريدون مثالاً؟ خذوا مصر).
وهذا صحيح، الاستاذ محمود تحدث عن ثورة اكتوبر واعتبرها ثورة ناقصة وقال :
(… من أجل ذلك انفرط عقد الوحدة بعيد ازالة الفساد وأمكن للأحزاب السلفية أن تفرق الشعب وأن تضلل سعيه حتى وأدت أهداف ثورة اكتوبر تحت ركام من الرماد مع مضي الزمن) وعزا ذلك لعدم امتلاك فكرة التغيير، وشرح تصوره لفكرة التغيير بتوسع في كتابه ( الثورة الثقافية). وأنت هنا تقول يجب أن نمتلك الوعي السياسي لنتفادى أخطاء الماضي والحاضر (مصر) بأن تتحد إرادة التغيير وفكرة التغيير، و قد نعيت على شباب 27 نوفمبر و19 ديسمبر ما سميته القوام الهش للوعي والفكر السياسي) وهو تقييم صحيح بكل تأكيد، ولكن رأيت من الواجب أن أقدم مرافعة موجزة للدفاع عن هؤلاء الشباب لا تقلل من أهمية التبصير الذي تعمل عليه الآن في هذا المقال وما يلحق من مقالات، وغرضي من ذلك هو محاولة التعرف على هذا الضعف في سياقه الصحيح:
 الثورة أو التمرد والعصيان المدني الذي يقوم به الشباب اليوم لا يتوفر له ترف تكوين جبهة الهيئات في اكتوبر ولا قوة التجمع النقابي والعصيان والاضراب السياسي في ابريل، هؤلاء الشباب يواجهون ( تحالف الأمويين الجدد والعسكر وصمت المثقفين ونهم الطفيليين) كما يقول د. حيدر ابراهيم، ففي احتجاجات سبتمبر 2013 السلمية قتل الاخوان المسلمين 200 من هؤلاء الشباب (عشرون دستة لو أنهم حزمة جرجير يعد كي يباع …) بالاضافة للتعذيب والاغتصاب والاختفاء القسري، هذا التوحش غير المسبوق يقصم ظهر أي عمل سياسي ويربكه. عند غزوة الاخوان المسلمين الأولى 1989 لم تحتمل المعارضة السودانية وطأة المعركة وغادرت الوطن فغادرها الوطن، لذا جاء تقريرك التالي ( …ثم تفاجأ الشباب ببديهية أخرى في العمل العام حين تساءل الناس عن قياداتهم وتاريخهم) كأبلغ تصوير لانقطاع الحبل السري الذي ظل يغذي تاريخنا في التمرد والثورة.
 لقد تربص الاخوان المسلمين بالثورة السودانية في كل مراحل تطورها(اكتوبر-ابريل) بالخيانة والتآمر وأخيراً سرقتها بالانقلاب العسكري ولكن الأهم من كل ذلك قاموا بما يمكن أن نسميه تزيف الوعي أو الثورة المضادة أو ما سموه هم (المشروع الحضاري) في هذه الملحمة المقدسة تم تغير عقيدة الجيش السوداني إلي عقيدة رسالية فلم يعد (جيشنا يا جيش الهنا..) الجيش الذي حقن الدماء في ابريل وكان دوره حاسماً في نجاح الثورة، هذا الجيش قُطعّت أوصاله وشرد كل قادته العظام، شن حرباً مقدسة في الجنوب وانتهى الى مرتزقة في حرب اليمن. لم يعد حارساً لأي ثورة جماهيرية ناجحة كما في السابق. الجيش ( القوات المسلحة) وجهاز الأمن، والجنجويد هم الخطر المسلّط على شباب الثورة اليوم.
 تغيّر مفهوم الوطن والمواطن – لمفهوم الوطن قيمة وجدانية تنعكس على الجغرافيا حباً و فداء ولأن السودان ولد بشروط لم يوقع عليها كل الأطراف وهو ما أسماه الدكتور منصور خالد (الوطن الافتراضي)، أصبح التمازج القومي رهناً لشروط السياسة، وهكذا عندما أصر السودان الشمالي على امتحان وطنية الجنوبيين، انفصل الجنوب، ولذلك عندما تقول (… وواجههم شباب الأقاليم بأفكار جهوية انفصالية، فأزعجهم الأمر وشتت أفكار بعضهم، وكل هذه الاشكالات تجد معالجاتها في صميم العمل السياسي) هو كالأمل الذي سحقه امتهان الكرامة الإنسانية، لم تكن أبداً جهوية انفصالية ولكنه احتجاج الجغرافيا على التاريخ.
 لوسائل التواصل الاجتماعي أدوار كثيرة مهمة لا تحتاج الى تأكيدها، على أن الوجه الملتبس هو الافتراض أن تراكم المعلومات يقود للمعرفة والوعي وهذا في اعتقادي أمر مضلل جداً، فالوهابية مثلا نجحوا في اغراق هذه الوسائل بالآيات والاحاديث والفتاوي المنبتة عن سياقها وبسببها أعفيت اللحى وقصرت الشوارب و(البناطلين). وعندما ترصد قروب يعمل على دعم الاعتصام مثلاً فأنك تسافر في رحلة تبدأ (باليوم نرفع راية استقلالنا) وتنتهي بدعوة لسماية أو نكتة، هناك عدم تركيز في إدارة أي نشاط محدد الاهداف، وليس هذا مسؤولية أفراد القروب المعين فقط، ولكنهم أيضاً فريسة لآلية صنعتها السوق الرأسمالية العالمية لخلق تجمع عالمي للمستهلكين.
 المكتوب أعلاه مجرد إشارات وملامح مختصرة جداً وسريعة هدفها كما قلت التعرف على الظروف السياسية والمعرفية التي ساهمت في تشكيل بنية الوعي السياسي لهؤلاء الشباب ومعرفة إمكانياتهم الحقيقية وهي تحتاج لتوسع وتدقيق علمي. وأود أخيراً أن أشكرك وأحييك على كتاباتك المحفزة التي تبعث الأمل.
** تصحيح**
(كتاب الشهيد مهدي عامل الذي تناول ندوة الكويت هو(أزمة الحضارة العربية ام أزمة البرجوازية العربية) وليس( نقد الفكر اليومي ).
لك الود ،،،،
وأرقد عافية
كمال ابراهيم اسماعيل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ