تقارير

في الذكرى الـ(44) لحركة يوليو 1976م العميد محمد نور سعد .. أسرار وحكايات

أول خبير في هندسة الأسلحة وأول من أدخل سلاح الجيم 3 والآربجي

قال للجنود: «شوفوني بموت كيف» حتى لا تخرج عني الإشاعات

 

الخرطوم – سفيان نورين

تمر هذه الأيام، ذكرى حركة يوليو 1976م التي قادها العميد محمد نور سعد للإطاحة بنظام الرئيس محمد جعفر نميري، حيث خططت المعارضة السودانية حينها التي كانت تضم: الإخوان المسلمين، حزب الأمة، الاتحادي الديمقراطي، ومكونات أخرى، للقيام بعمل عسكري في فجر الثاني من يوليو من العام 1976، بالتعاون مع السلطات الليبية لدخول الخرطوم بقوات سودانية تدربت في ليبيا بقيادة العميد محمد نور سعد، وكادت المحاولة أن تستولي على السلطة لولا إفشاء أحد قيادتها الخطة المرسومة لتنفيذها، وقتل الرئيس نميري المشاركين في الانقلاب بمن فيهم قائده، وأطلق إعلامه على أصحاب المحاولة صفة «المرتزقة»، فيما ترى الجبهة الوطنية التي قادت ذلك الانقلاب أنه محاولة لإنقاذ البلاد من نظام نميري الذي وصفته بـ «الفاسد».

مرافقة المهدي

العميد محمد نور سعد، هو ابن الخفير سعد نورين عبدالله، وترجع جذوره كما يروي عدد من أقربائه ورفقائه بالسلاح ومن بينهم: اللواء معاش آدم محمد الجدع، أحد أبناء قبيلته والمعاصرين له، إلى جانب رفيقه عند ابتعاثه إلى ألمانيا يوسف بدر، من منطقة الإضية زكريا جنوب مدينة النهود – غربي السودان مسقط آبائه وأجداده، وهو من قبيلة المسبعات، تنقل والده في عدد من المدن والأقاليم بدأها بالجزيرة أبا، رافق من خلالها الإمام المهدي إلى أم درمان، ولازمه فترة من الوقت حتى زواجه من خديجة بت الضي التي تقطن بقرية “طيبة” بولاية سنار، وهي تنتمي لقبيلة البديرية، زوجها الصديق محمد أحمد المهدي لسعد نورين والد محمد نور، والذي قام بتسميته، حيث انصهرت قبيلة المسبعات بطائفة الأنصار نسبة لوالدة السيد عبدالرحمن المهدي المسبعاوية التي ساعدت في زواج سعد نورين بـ خديجة بت الضي، حينها اختار والده منطقة «المزاد» ببحري محلاً لاقامته، وتزوج محمد نور سعد من ماجدولين – المانية الجنسية – تسكن ألمانيا الغربية.

الدرجة الأولى

وبحسب الرواة، درس العميد محمد نور سعد في مدرسة خور طقت الثانوية، أحرز الدرجة الأولى «قريد ون»، وكان شخصاً متواضعاً زاهداً منذ صغره يحب الانضباط والحزم الذي دفعه للمؤسسة العسكرية.

يقول اللواء آدم الجدع: “قابلته عدة مرات عند المعهد الفني والقياده العامة، طلبت منه التوسط ليّ بالانضمام للقوات المسلحة لكنه رفض ذلك، وقال لي: لا.. لا… لا مكانة لك إلا بالكفاءة وحتى لو قُبل 90 شخصاً بالكفاءة وتبقى 10 منهم بالمحسوبية لما قبلتك واحداً منهم. وذلك، برغم علاقتهم الأسرية وصلة الرحم التي تربطنا”، مما يؤكد نزاهته وعمله من أجل الوطن وليس الجهوية والمحسوبية، منوهاً إلى أن محمد نور سعد ظاهرة نادرة لا تتكرر، لاسيما في إنسانيته وحنكته القيادية كعسكري من طراز فريد، مؤكداً أن ذلك الأمر جعل «الجبهة الوطنية» تختاره من بينها قائداً لها، فضلاً عن اختياره رئيساً لاتحاد الطلبة السودانيين ببرلين.

خبير في الاسلحة

تخرج قائد الانقلاب من الكلية الحربية برتبة ملازم أول ينتسب إلى الدفعة السابعة، التي لازمه بها الفريق عبد الماجد حامد خليل واللواء الركن عمر محمد الطيب، حيث عملاء بسلاح الذخيرة، ثم سلاح المهندسين، وسلاح الأسلحة، ومن ثم تم اختيار محمد نور سعد في بعثه دراسية إلى ألمانيا ليدرس الأسلحة والذخائر، ومكث بألمانيا ثماني سنوات، عاد منها كأول خبير في هندسة الأسلحة والذخائر، وهو من أوائل الضباط الذين أدخلوا سلاحاً يسمي «الجيم3» و«الاربجي» ليصبح بعدها قائداً لسلاح الأسلحة والذخيرة، وتمت ترقيته إلى رتبة عميد ركن، عندها – وبحسب رصفائه الضباط – وجد كثيراً من الإشادة، وكانت الأنظار تلتفت نحوه، وإثر خلاف بينه والرئيس نميري تم عزله من الجيش وإخلاء سبيله.

تغيير النظام

وعقب عزله – أي محمد نور سعد – من القوات المسلحة السودانية عاد مجدداً إلى المانيا للقيام بدراسات عليا، وقتها قامت بعض القيادات العسكرية والمدنية، والتي ينتمي معظمها إلى الجبهة الوطنية التي تضم قيادات مشهود لها بالحنكة السياسية والكفاءة العسكرية، أمثال: الإمام الصادق المهدي، الشريف حسين الهندي، إبراهيم السنوسي، غازي صلاح الدين العتباني، مبارك الفاضل، عمر نور الدائم، لتغيير حكم الرئيس نميري، ولم يجدوا قائداً للمهمة الكبيرة إلا العميد محمد نور سعد، حيث التقاه السيد بكري عديل والصادق المهدي، ولكنه لم يستجب لهم إلا بعد إتصال من العقيد الليبي معمر القذافي الذي تربطه علاقه بالجبهة الوطنية في ذلك الوقت، حيث أعاد تدريبه وغير خططه، وقاد أكبر عملية عسكرية في العام 1976م للإطاحة بحكم نميري، واستعان محمد نور بالجبهة الوطنية وبعض العسكريين.

فشل «البيان»

استطاعت المحاولة الانقلابية السيطرة على بعض المواقع العسكرية والإذاعة والتلفزيون، وعندما حاول العميد محمد نور سعد التقاط بث الإذاعة كشف أمره، ولم يتمكن من إذاعة البيان، وحال الأمن والجيش دون سعي الجبهة الوطنية وأمنيات قائد الانقلاب، واسترجع الجيش المواقع في اليوم الأول للهجوم، والذي عُرف عند إعلام مايو الذي استطاع تعميم الصورة الذهنية لحركة 76م عند المواطنين وجردهم من الوطنية، واتهامه لهم بـ «المرتزقة»، وخطط محمد نور للانقلاب من الحدود الليبية، إلى جانب التحرك الداخلي من طلاب وجنود، إلا أن تلك التحركات باءت بالفشل، ونظم الجيش صفوفه، وقاد هجوماً استرجع فيه كل المواقع قبل غروب الشمس.

تقديم الخطة

ومع اقتراب فترة الإعدام، يروي الزعيم إبراهيم حسن لـ «الجماهير»، وهو حفيد محمد نور سعد: “بعد إلقاء القبض على محمد نور وعدد من الجنود عقدت له محاكمة عسكرية جوار كبري النيل الأزرق ببحري في سلاح المهمات، وحضر كل من والده ووالدته وشقيقته وعدد من وجهاء القبيلة وأصدقائه”، واشار إلى أنه لم يكن داخل ساحة سلاح المهمات إلا الضباط العسكريون، وكان العميد محمد نور سعد جالساً في غرفة مقيد الأرجل واليدين بالسلاسل أمام مسؤول الحراسة بالمحكمة محمد عبد الرحيم، تحمل قائد الانقلاب المسؤولية وحده، وأنكر كل من شارك معه لرئيس المحكمة مهدي المرضي الذي كان لديه معرفة بسعد نورين، حيث انتهت الجلسة، وتقررت إقامة جلسة أخرى في اليوم التالي، وحينها أفاد للمحكمة ضباط كشاهد اتهام قائلاً: « ان محمد نور قال لهم بأنه لم يقصدهم ويريد التعامل معهم كرفقاء مؤسسة عسكرية، وقدم لهم خطته.

رفض التخفيف

ويمضي إبراهيم حسن قائلاً: “في الجلسة الثانية سأل القاضي محمد نور سعد: هل لديك ما يخفف عنك الحكم؟ فأجاب بثبات: ليس لدي، حينها ضجت المحكمة بالأصوات المرتفعة من حزن عميق وضجر، وقالت الرضية شقيقة محمد نور سعد لأخيها: ماشي تخلينا لمنو؟، الامر الذي دعا والده لرفع صوته في وجه ابنته قائلاً – موجها حديثه لابنه محمد نور: ما تنكسر ليهم نحن عافين منك”. ويضيف الراوي أنه مع دنو وقت الإعدام جاء عدد من المسؤولين على المستوى السياسي والعسكري لوالد محمد نور سعد وقالوا له: “ابنك يقوم بعمل غير حميد”، فأجاب: “إني اقبل حكم الله، وما شاء الله فعل، ومثل ما إبليس غش أبونا آدم وأخرجه من الجنه، كذلك غش ابني وإبليس ماشي عليكم.، ونوه إلى أن العزل العسكري والظلم الذي وجده في السجن تجاه نظام يحسبه فاسداً، ويحتاج إلى تغيير وراء قيادة حركة 1976م.

الرسالة الأخيرة

وبحسب الرواة، فإن ليلة تنفيذ حكم الإعدام حُمل محمد نور سعد في سيارة عسكرية خاصة إلى مكان رميه بالرصاص، وقتها أرسل رساله للشعب والتاريخ قائلاً للجنود: «شوفوني بموت كيف»، في إشارة إلى أنه سيواجه الموت بشجاعة وثبات، حتى لا تخرج الإشاعات من نظام نميري بعد موته، كما قال العميد محمد نور سعد.
ويرى محللون أن إطلاق مصطلح «انقلاب» على حركة 1976م ليس دقيقاً، بحجة أن المفهوم الكلاسيكي للانقلاب يعتمد على أن تكون القوى الساعية للتغيير جزءاً من القوات المسلحة، وأن أسباب فشل الإطاحة بنظام نميري تخبط المدنيين المسلحين الذين شاركوا في القتال وهم جاهلون بجغرافية العاصمة، إلى جانب فشلهم في تشغيل الإذاعة وتعثرهم في الوصول للمطار الذي حطت فيه طائرة النميري قبل نصف ساعة من موعدها .

تضليل الرئيس

ويرجع د. علي الحاج، أحد قيادات الجبهة الوطنية في إفادات صحفية سابقة، فشل الانقلاب واعتقال قيادته إلى معرفة عمر محمد الطيب، نائب الرئيس نميري باستلام البلد، والتي وصلت للرئيس نميري، وصرح بها نائب الرئيس لأشخاص خارج البلاد، وأشار إلى أن الرئيس نميري أخبرهم عقب عودته من القاهرة بأنه كان «مضللاً»، فيما عزا المصالحة مع الرئيس نميري إلى عدة فوائد للحركة الإسلامية، خاصة توسع العمل الدعوي في الجنوب.

حماس طاغ

وفي شهادة سابقة، قال وزير خارجية نميري، د. منصور خالد، إن الحركة استولت قبل وصولهم على العديد من المواقع بسرعة فائقة حين حاصروا القوات الموجودة في القيادة العامة للقوات المسلحة، إلا أنه نوه إلى أن الحماس الطاغي الذي أبداه الجيش في مجابهة حركة 1976م يعزي إلى تحدي مجموعة مدنية غير نظامية لجيش نظامي له كرامه وشرف عسكري.

سرية الوصول

وذكر منصور خالد، بأنه لم ينج النميري والوزراء المرافقون له – وكان واحداً منهم – إلا لوصول طائرتهم قبل نصف ساعة من الموعد المقرر، مما ضاعف من إيمان الرئيس بوسطائه السماويين، وحينها استولى قادة الحركة قبل وصولهم على العديد من المواقع بسرعة فائقة، كما حاصروا القوات الموجودة بالقيادة العامة للجيش، فيما ترجع نجاة النميري ومن معه لسببين: أولهما وصول طائرته قبل الموعد المقرر، وثانيهما تأخر السرية في الوصول للمطار، إذ وصلت بعد مغادرة الرئيس نميري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ