عادل الباز
في المشهد الثاني من هذا السيناريو اتضح أنه إذا دبت الفوضي فإن الجيش سيتدخل بلا شك كما فعلها مرتين في تاريخ السودان الحديث، وبعدم قبول القوى السياسية تدخل الجيش باعتباره منحازا لطرف في الصراع ستتحول المواجهات إلى فعل عنيف، إذ أنه لا سبيل آخر لحسم الصراع. وبذا ستغرق البلاد في فوضى وحمام دم من أقصاها إلى أقصاها تغذيها الجيوش المتعددة والقبائل المدججة بالسلاح والمليشيات.
في المشهد الثالث
هنا تكتمل دائرة الفوضى والنار لتلف الوطن كله، ستظهر في الصورة المطامع الإقليمية؛ إذ ستسارع كل الدول بدعوى حماية حدودها لتأسيس مناطق آمنة، وكل سيقتطع من جسد الوطن المساحات التي ستصل إليها حوافر جيوشه. تذكروا أنه حين اتقدت الفوضى بالجنوب لم يتوان موسفيني في تحريك قواته للاستيلاء على مساحات واسعة من الجنوب، بل وزحف إلى جوبا بادعاء حماية الحكومة الشرعية هناك. لن يكون الجيش المنقسم والمشغول بحماية الأهداف الاستراتيجية بالدولة قادرا على حماية الحدود، سيركز على حماية المركز من السقوط لكي لا تتبعثر الدولة وهيهات.
في هذا المشهد سنرى قوات اليوناميد تسارع في لملمة سلاحها وأطرافها وأمتعتها لتهرب بأفواج من الطائرات كما فعلت تماما أثناء مذبحة رواندا.
مشهد الرابع
حال انهارت الحدود ستصبح أراضي السودان كلها جنة للإرهابيين خاصة الدواعش الذين يطردون الآن من ليبيا وسوريا، إضافة إلى مليشيات الطوارق ومتمردي أفريقيا الوسطى، أما من ناحية الجنوب حيث تسرح وتمرح مليشيات النوير والدينكا إضافة لحركات دارفور، فسوف لن يُعرف من يقاتل من هناك..
هكذا ستصبح كل الحدود مسرحا لفوضى عجيبة. سيجري التسابق أولا على احتلال مناطق البترول والذهب كما فعلت قوات المتمردين في الكنغو لتمويل حروبها المتعددة، وكما يسيطر موسى هلال على الذهب في جبل عامر الآن. كل الجيوش والمليشيات ستكون بحاجة لتمويل ولذا سيمتد الصراع إلى مناطق الثروات شمالا وغربا وجنوبا. النتيجة الحاسمة سقوط ما تسمى بالدولة المركزية بالسودان وسنعود لصورة سودان ما قبل 1874 بل أسوأ بكثير.
مشهد الخامس
سنرى العالم متفرجا على الحريق المشتعل في وطن المليون ميل مربع (بالجنوب)، ستبدأ المناشدات والدعوات لضبط النفس ومثل هذا الإنشاء الكثير الذي نسمعه في أوقات الأزمات في حين لن تجرؤ قوة واحدة على التدخل لمنع الفوضى ولا لإيقافها بعد اندلاعها. سينأى الأفارقة بأنفسهم من الحريق كما فعلوا في رواندا والصومال وجنوب السودان حديثا. أما الدول العربية المشغولة بحرائقها وحروبها فلا تملك إلا أن تتفرج علينا من خلال الشاشات والتغطيات التلفزيونية والتغريدات المتعاطفة مع جمع التبرعات لأجل شعب السودان (الكسول) الذي خرب وطنه وتشرد مؤخرا كما فعلوا تماما وهم يتفرجون على جرائم الإبادة في حلب.
مشهد ختامى
مشاهد الحرائق والفوضى التي تلف الوطن كله ستتيح لشاشات العالم لترى الإسلاميين والعلمانيين والمعارضين والعصاة ومن ورائهم الشعب السوداني يحملون بقجهم على رؤوسهم يهيمون على وجوههم في الصحاري والأودية لتأويهم المخيمات البائسة وسيتبعثر أغلبهم في سرادقات عزاء بمساحة مليون ميل مربع.. رحمة الله عليه، كان وطنا جميلا.
مشهد أخير
إظلام تام.