تقارير

بعد انهيار مفاوضات سد النهضة: ماهي الخيارات المطروحة؟

الخرطوم: ايمن المدو

القاهرة والخرطوم دخلا فعليا إلي بوابة امتحان الخيارات بعد انهيار مفاوضات سد النهضة، وفشلهما في انتزاع تنازلات من الجانب الإثيوبي ضمن طاولة المفاوضات التي جمعتهم مؤخرًا في عاصمة دولة الكنغو كنيشاسا.

 الموقف الإثيوبي المتعنت جعل الجانبين السوداني والمصري ينشطان في الخيارات الممكنة في وقت لوحت فيه القاهرة بالتصعيد وإطلاق جميع الخيارات بينما الخرطوم اكتفت باستبعاد اللجؤ إلي الخيار العسكري.

البدايل المطروحة

وبحسب مراقبين فإن الخرطوم كانت تسعى علي الدوام إلي إيجاد صيغة توافقية تمضي إلي تحريك ساكن البِركة في المفاوضات التي تجمعها تحت طاولة سد النهضة، بينما القاهرة كانت تطمح إلى أكثر من ذلك من خلال مساعيها إلى دحرجة كرة الثلج نحو الهضبة الإثيوبية، وبين هذا وذاك تبقى التساؤلات قائمة نتيجة لتداعيات فشل جولة كينشاسا الأخيرة علي صعيد دولتي مصر والسودان، خصوصًا بعد التعنت الإثيوبي في قبول كل المقترحات والبدائل والحلول المطروحة من قبل دولتي المصب حول ماهي الخيارات المطروحة من قبلهما بجانب ماهي السيناريوهات المتوقعة والمقبلة في سياق طي ملف الأزمة، فهل سيكون الخيار السوداني والمصري هو اللجوء إلي الحرب وتوجيه ضربة عسكرية على السد قبيل بداية موسم الأمطار في الهضبة الإثيوبية، في مايو المقبل؟ أم التوصل لاتفاق قبل هذا التاريخ سيكون هو طوق النجاة لكلا الدول الثلاث؟.

البرهان ابي
رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان البرهان و رئيس الوزراء الاثيوبي ابي أحمد – ارشيف

تعقيدات الأزمة

المختص بقضايا القرن الأفريقي السفير السابق بوزارة الخارجية السودانية الرشيد أبو شامة، أكد أن الخيار المطروح أمام مصر والسودان هو اللجؤ إلى المؤسسات الدولية من خلال اتباع كل القنوات الدبلوماسية والنأي عن استخدام لغة الوعيد والتهديد، مشيرًا إلى أن الخيار العسكري رغم أنه وارد إلا أنه لن يفضي إلى حل الأزمة، وربما يزيد من تعقيداتها بالمنطقة خاصة أن لإثيوبيا حلفاء دوليين من الصين وروسيا وإسرائيل والأمارات ولن يقفوا مكتوفي الأيادي في حال تعرض الهضبة الإثيوبية إلى مخاطر من الخرطوم أو القاهرة.

 أبوشامة عاد وأكد في حديثه لـ(الجماهير) أن مصر تمتلك أدوات أخري بغية تحريك الملف لصالحها في حال أن قامت مخابراتها بفتح قنوات مع حليفهم الإستراتجي الولايات المتحدة الأمريكية واللعب على حبل المعونات التي تقدمها هذه الأخيرة إلى إثيوبيا من خلال ممارسة الضغوط عليها والتراجع عن قرارتها الأحادية فيما يلي ملء السد، بينما السودان بحسب أبوشامة، على المدى القصير ليس لديه خيار سوى ترقب الطبيعة وانتظار موسم هطول الأمطار التي تمطر علي الهضبة الإثيوبية بغزارة إلى أن تحل أزمة ملء السد.

التعنت الإثيوبي

وكان أن أعلن السودان، الثلاثاء المنصرم، انتهاء مفاوضات سد النهضة بالعاصمة الكونغولية كينشاسا، دون إحراز أي تقدم بسبب التعنت الإثيوبي وذكرت وزارة الري والموارد المائية في بيان تلقته “الجماهير”، إن إثيوبيا رفضت بإصرار كل “الخيارات البديلة والحلول الوسطى التي تقدم بها السودان لمنح دور للشركاء الدوليين ممثلين في الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي والإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، في تسهيل التفاوض والتوسط بين الأطراف الثلاث”.

وزير الري السوداني – ياسر عباس

وأوضح البيان أن إثيوبيا “أصرت على مواصلة التفاوض بنفس النهج القديم الذي تم تجريبه منذ يونيو 2020 دون جدوى، وأن لا يتابع المفاوضات سوى مراقبين يكتفون بالاستماع ولا يحق لهم التقدم بأي فكرة أو مقترح لمساعدة المتفاوضين”، وأشار البيان أن “السودان طرح مقترح الوساطة الرباعية بعد ثلاثة أشهر من توقف المفاوضات لتعزيز منهجية التفاوض التي لم تحرز أي نجاح خلال دورة الإتحاد الأفريقي السابقة”.

الخيارات الممكنة

الحكومة السودانية وفقًا لبيان وزارة الري نبهت إلى أن التعنت الإثيوبي يحتم على السودان التفكير في كل الخيارات الممكنة لحماية أمنه ومواطنيه بما يكفله له القانون الدولي والسؤال المطروح ماهي هذه الخبرات؟. وللإجابة علي ذلك يقول رئيس الحزب الناصري – التيار الشعبي، العدالة الإجتماعية – المقرب من الحكومة ساطع الحاج، إن ملء السد بطريقة أحادية من إثيوبيا رغم أنه يمثل تهديد حقيقي للسودان، إلا أن خيار الحرب يظل مستبعدًا على الأقل في الوقت الحالي لقرب موقع السد الإثيوبي من الأراضي السودانية ولتاثيراته المحتملة على السدود السودانية المتاخمة له في حال تعرض لأي دمار، ومضى ساطع في حديثه لـ(الجماهير) بالقول أن الخيار الأنسب للسودان هو اللجؤ إلى المسالك السلمية من خلال الواسطات الدولية عبر التحكيم الدولي، بجانب تفعيل أدوار الإتحاد الأفريقي. وجزم ساطع أن هذه المسارات هي كفيلة بحقن الدماء وتحقيق المنفعة المنشودة. 

استبعاد الخيارلعسكري

ومن جانبها فقد أوصدت وزيرة الخارجية السودانية، مريم المهدي، الخميس الباب أمام، الخيار العسكري لحل أزمة سد النهضة، وقالت المهدي في تصريحات صحفية على هامش زيارتها للعاصمة الدوحة، “لا مجال للحديث عن الخيار العسكري، بل نحن نتحدث الآن عن الخيارات السياسية كما ذكر الرئيس السوداني من قبل”.

الخيارات المصرية

بينما قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأربعاء، إن بلاده لن تسمح بالمساس من حصتها المائية، وإن جميع الخيارات مفتوحة للتعامل مع أزمة سد “النهضة” الإثيوبي وأضاف في كلمة ألقاها السيسي على هامش افتتاح منشأة حكومية شرقي مصر، بثها التلفزيون الرسمي. وأضاف: نُقدر أهمية التنمية المعتمدة على المياه بالنسبة للدول الأفريقية بشرط عدم المساس بحقوق مصر المائية، ويجب على الدول جميعًا أن تتعلم من المواجهات السابقة بين الدول وتكلفتها، وأن التعاون والاتفاق أفضل من أي خيار آخر”.

اللجؤ للمؤسسات الدولية.

من جانبه أعلن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أن بلاده ستتجه مع السودان للمؤسسات الدولية، وأوضح شكري في تصريحات متلفزة، أن “هناك تنسيقًا كاملًا ووحدة للموقف مع السودان بالبدء في إطار التوجه إلى المؤسسات الدولية”، بينما ألمحت وزيرة الخارجية السودانية مريم المهدي، إلى انتظار بلادها إلى حدوث “استقطاب واسع النطاق للرأي العالمي والأفريقي وبشكل خاص في دول حوض النيل ودول الجوار لمنع إثيوبيا من المضي قدمًا في زعزعة أمن السودان ومصر.

معارك كلامية

وقبيل انطلاقة المفاوضات بكنيشاسا، وبعيد فشلها دارت معركة كلامية رحاها بين قادة الدول الثلاث فكان أن حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في 30 مارس الماضي، من المساس بحصة بلاده من مياه نهر النيل، وإشارته إلى أن حصة مصر من المياه خط أحمر وحديث السيسي بحسب مراقبين حمل أقوى لهجة تهديد لأديس أبابا منذ نشوب الأزمة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

قبل 10 سنوات، وبالمقابل أعلنت رئيسة إثيوبيا عن جاهزية بلادها إلى كل الخيارات فيما شدد رئيس الوزارء الإثيوبي آبي أحمد، على حشد ملايين الأصوات لحماية السد بينما اكد رئيس الحكومة الانتقالية في السودان الفريق عبد الفتاح البرهان، إلى أن السد يمثل تهديدًا للأمن القومي في وقت أكدت فيه وزيرة الخارجية السودانية مريم المهدي، أن السودان لديه كل الخيارات وبمثل المشادات الكلامية التي دارت على المستوى الرسمي فقد تبعتها مشادات أخرى في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، بعد أن غرد مدونون بمطالبة حكومات بلدانهم في عدم التفريط في حقوقهم من مياه النيل، وهذا الموقف المتشدد بحسب مغردين نقل القضية إلى مستوى الكرامة الشخصية والوطنية، وهو ما سيدفع بالموقف الإثيوبى لمزيد من التعنت، لإجبار الطرفين السوداني و المصري، عن التراجع عن التهديد المبطن بالحرب، والالتزام نهائيًّا بخيار التفاوض، وما يتلزمه من تنازلات من الأطراف كلها.

مناورات وتنازلات

ومع تحديد الجانب الإثيوبي موعد ملء السد في 2 يونيو، تبقى هامش محدود للمناورة أمام السودان ومصر، حول اللجؤ إلى الخيار العسكري من عدمه، بيد أن الخبير الاستراتجي الفريق الركن إبراهيم الرشيد، استبعد بشدة لجؤ مصر والسودان إلى الخيار العسكري وأواضح أن الحرب كلفتها المادية والبشرية عالية، رغم الإمكانيات اللوجستية المتوفرة لهذه الدول، وتابع أغبى زعيم هو الذي يذهب إلى الحرب. وقال الرشيد لـ(الجماهير) إن الوقت مازال باكرًا أمام خيار الحرب، وأضاف: يمكن تجنب ذلك من خلال تقديم التنازلات من كل الأطراف.

مناورات نسور النيل

 وبسؤال حول مناورات نسور النيل 2 التي جرت للقوات الجوية للسودان ومصر في منطقة مروي السودانية، أجاب الرشيد أن هذه المناورات ليس القصد منها تخويف إثيوبيا، وإنما هي أتت وفق برتكول عسكري بين البلدين، بهدف التنسيق الجوي ومعرفة قدرات وجاهزية القوات بين كلا الجانبين. وحول إمكانية ضرب السد والآثار المترتبة عليه قال: إن سد النهضة بما يحويه في جوفه من مياه يمثل خطر حقيقي للسودان في حال تعرض لدمار، لأن قوة المياه التي ستتجه نحو السودان توازي مفعول قنبلة هيدروجنية من حيث الدمار الذي سيلحقه بولايات النيل الأزرق والقضارف والجزيرة والخرطوم، ويواصل الرشيد بالقول أي ضرر يصيب السد فإن السودان هو المتضرر الأول بجانب أن إثيوبيا كرد فعل قد تقوم بتوجيه ضربة إلى سد الروصيرص الأقرب إلي حدودها.

معركة الخبراء والأكادميين

المعركة رغم أنها استخدمت لغة الدبلوماسية والهندسة والقانون إلا أنها في المقام الأول معركة مياه، وفي هذا الصدد يشير الخبير في محال المياه والسدود الأستاذ بجامعة الخرطوم البروفسير عمر محمد علي، إلى إغفال الحكومة السودانية إلى استشارة أهل الشأن والإختصاصين الأكادميين في مجالات المياه والسدود في البلاد، واكتفاؤها بالمشورات السياسية من شأنه أن يضيع حقوق السودان فيما يلي إدارة وتشغيل سد النهضة والمعلومات الفنية المتعلقة بالملء، وشدد محمد، بأن عدم تضمين الوفد السوداني لمفاوضات كينشاسا من أكادميين وخبراء في المجالات الأمنية والاقتصادية والمياه، جعل الخرطوم ترتهن في المفاوضات للجانب المصري، وجزم محمد بأن الوفد التفاوضي السوداني لم يراعي مصلحة بلاده على عكس الجانب المصري، وقال للخروج من هذا المازق يجب إيلاء اهتمام أكبر لمصلحة السودان من حصص المياه بجانب وجوب تغيير شامل لكل المفاوضين السودانيين واستبدالهم بخبراء وأكادميين من المجالات التي تلا ذكرها آنفا، بالإضافة إلى استبعاد مقترح السودان عن الوساطة الرباعية.

وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي في مؤتمر صحفي بالقاهرة مع نظيرها المصري سامح شكري (الأوروبية)

الانسياق وراء مصر

وبعد إبعاد السودان للخيار العسكري في سياق التعاطي مع الأزمة، لم يبقة له سوى المضي في تعرية إثيوبيا أمام المجتمع الدولي والإقليمي، وهذا ما أشار إليه المحلل السياسي استاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية د.صلاح الدومة، وأضاف، هذا الخيار الأنسب للخرطوم بعيدًا عن الاحتكام لفوهة البنادق. وحذر الدومة في حديثه لـ(الجماهير) السودان من الانجرار والانسياق وراء مصر، نحو استخدام الخيار العسكري وأردف، مصر تريد أن تستخدم السودان وتورطه في حرب من دون النظر إلى المحصلة المترتبة على ذلك من الأضرار التي قد تصيب السودان في حال تم توجيه ضربات لسد النهضة.

اوضاع إثيوبية الداخلية

تدفقات لاجئين

وعلي ضوء ماترى من مستجدات في أزمة سد النهضة حيث يرى مراقبون أن موضوع السد، هو جزء من حالة أكبر، ضمن سياق الأوضاع الداخلية الإثيوبية خصوصا حرب تغراي وتطوراتها وتداعياتها الإقليمية والدولية، بجانب علاقة إثيوبيا بالسودان، فيما يلي النزاع حول السد، والتوتر في الحدود قبالة الفشقة، بجانب قيام االسودان من إغلاق معابره الحدودية عند نقطة القلابات مع إثيوبيا. وكل هذه المعطيات من شأنها ان تدفع إثيوبيا إلى تلين مواقفها تجاه أزمة سد النهضة عاجلًا أم آجلًا، وما على الطرفين سوى التحلي بالصبر.

واشنطن ‏‎علي الخط

جددت الولايات المتحدة الأمريكية، الخميس، تمسكها بحل أزمة “سد النهضة” الإثيوبي سلميًّا. حيث أجرى مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، ونائب رئيس الوزراء الإثيوبي ديميكي ميكونين، الذي يتولى أيضًا منصب وزير الخارجية، محادثات هاتفية، تناولت ملفات سد النهضة والتوتر الحدودي السوداني الإثيوبي، وإقليم تيغراي.

جيك سوليفان مستشار الرئيس الأمريكي جو بايدن لشؤون الأمن القومي

وتأتي المحادثات الأمريكية ـ الإثيوبية عقب إعلان القاهرة أن المحادثات التي انعقدت في كينشاسا “لم تحقق تقدمًا ولم تتوصل إلى اتفاق بشأن إعادة إطلاق مفاوضات السد”.

وأوضح بيان صادر عن البيت الأبيض، أنّ “سوليفان” أكد تمسك واشنطن بمساعيها لحل أزمة سد النهضة سلميا”.

كما أشار البيان إلى تطرق المسؤول الأمريكي خلال المحادثة إلى “الخلاف الحدودي مع السودان في منطقة الفشقة”. وفي ديسمبر الماضي، أوقفت واشنطن العمل بقرار إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، تعليق المساعدات لإثيوبيا على خلفية سد النهضة، وأعربت في الوقت نفسه عن أملها في حل دبلوماسي بشأن السد يشمل مصر والسودان. وكانت إدارة ترامب علقت في سبتمبر الماضي، مساعدات بقيمة 272 مليون دولار مخصصة لإثيوبيا على خلفية اتهام أديس أبابا بالتعنت بالتزامن مع فشل المحادثات التي رعتها واشنطن بشأن سد النهضة حينئذ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ