
في ذكرى 19 ديسمبر.. أولويات الثورة ماذا تحقق؟
تقرير: فتحية عبدالله
بأحزانها، أفراحها، أتراحها، وبنصرها، وانتصارها، وخيبات أهلها، وسخط الشارع، تهل علينا الذكري الثانية لثورة ديسمبر المجيدة، تلك الثورة التي خلصت شعب السودان من نظام حكم ديكتاتوري استمر لثلاثين عاما، وباتت مثالا لثورات العالم أجمع بشعاراتها، تضحياتها، ونضالات صانعيها.
(1)
ولأن ثورة ديسمبر المجيدة قد رفعت عند انطلاقها في العام (2018) شعار الحرية قبل السلام والعدالة، كأولويات واضحة المعالم، إلا أن فترة ما بعد تشكيل الحكومة الانتقالية شهدت عددا من المزايدات من بعض قوى الثورة ذاتها، حسبما يرى مراقبون، إذ بدأ التفكير ينحصر بالمحاصصات والظفر بالمقاعد لتتناسى بعدها قيادات الدولة الشعارات التي خرج الشارع السوداني من أجلها في ذات اليوم التاسع عشر من ديسمبر العام (2018)، ما فتح الباب لاسترجاع الماضي، واستدراك أولويات الثورة، والتساؤل عن ما تحقق من شعارات رفعها الثوار صوتا، وترجمتها الوثيقة الدستورية نصوصا، وجاءت اتفاقية سلام جوبا لتأكيدها بنودا.
مهام واجبة

وبحسب الوثيقة الدستورية، ثمة مهام واجبة التنفيذ خلال الفترة الانتقالية التي عدلت بموجب اتفاق السلام من ثلاث إلى أربع سنوات، تسري من تاريخ التوقيع عليها، تبدأ بالعمل على تحقيق السلام العادل وإنهاء الحروب، بمخاطبة جذور المشكلة، وإلغاء القوانين والنصوص المقيدة للحريات، أو التي تميز بين المواطنين على أساس النوع، ومحاسبة منسوبي النظام البائد عن كل الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوداني منذ الثلاثين من يونيو 1989 وفق القانون، بجانب معالجة الأزمة الاقتصادية بإيقاف التدهور الاقتصادي، والعمل على إرساء أسس التنمية المستدامة، وذلك بتطبيق برنامج اقتصادي واجتماعي ومالي وإنساني عاجل لمواجهة التحديات الراهنة، والإصلاح القانوني، وإعادة بناء المنظومة الحقوقية والعدلية، وضمان استقلال القضاء وسيادة القانون، العمل على تسوية أوضاع المفصوليين تعسفيا من الخدمة المدنية أو العسكرية، والسعي لجبر الضرر عنهم وفقا للقانون، بالإضافة إلى ضمان تعزيز حقوق النساء في السودان في كافة المجالات، ومحاربة كافة أشكال التمييز ضد المرأة مع مراعاة التدابير التفصيلية المؤقتة في حالتي السلم والحرب.
كما نصت الوثيقة الدستورية، على تعزيز دور الشباب من الجنسيين، وتوسيع فرصهم في كافة المجالات، إنشاء آليات للإعداد لوضع دستور دائم لجمهوية السودان، عقد المؤتمر الدستوري قبل نهاية الفترة الانتقالية، وضع برامج لإصلاح أجهزة الدولة خلال الفترة الانتقالية بصورة تعكس استقلاليتها وقوميتها وعدالة توزيع الفرص فيها؛ دون المساس بشروط الأهلية والكفاءة، على أن تستند مهمة إصلاح الأجهزة العسكرية للمؤسسات العسكرية وفقا للقانون، ووضع سياسة خارجية متوازنة تحقق المصالح الوطنية العليا للدولة، وتعمل على تحسين علاقات السودان الخارجية، وبنائها على أسس الاستقلالية والمصالح المشتركة بما يحفظ سيادة البلاد وأمنها وحدودها، القيام بدور فاعل في الرعاية الاجتماعية وتحقيق التنمية الاجتماعية من خلال السعي لتوفير الصحة والتعليم والسكن والضمان الاجتماعي، تفكيك بنية التمكين لنظام الثلاثين من يونيو وبناء دولة القانون والمؤسسات، وانتهاء بتشكيل لجنة تحقيق وطنية مستقلة بدعم أفريقي عند الاقتضاء وفق تقدير اللجنة الوطنية لإجراء تحقيق شفاف ودقيق في الانتهاكات التي جرت في الثالث من يونيو 2019 والأحداث والوقائع التي تمت فيها انتهاكات لحقوق وكرامة المواطنين مدنيين أو عسكريين.
شعارات الثورة
وكان قد وثق التاريخ لعدد كبير من شعارات الثورة المطلبية العاجلة منها والآجلة، فكان قد أضيف شعار (مدنية خيار الشعب) إلى شعارات (حرية..سلام..وعدالة) بعد احتدام الصراع بين المكونين (المدني والعسكري)، وتعنت الأخير في تسليم السلطة للأول إبان التفاوض، هذا بجانب شعار الصمود (ثوار.. أحرار.. حنكمّل المشوار) والمطالبة بحق الشهداء الذي بدأ بالهتاف (الصوت هناك مسموع… دم الشهيد بكم؟..ولاّ السؤال ممنوع؟) وهذا الشعار دون غيره من الشعارات أضحى مسيطرا على الساحة السودانية بمجالاتها المختلفة وعلى مدى عامين من الزمان، بل صار يحاصر لجنة التحقيق المستقلة في مجزرة فض اعتصام القيادة العامة ومؤسسات الحكم الانتقالي بأسرها.
(4)
عضو سكرتارية تجمع المهنيين صاحب الهاشتاق الشهير (الثورة لسة نية) حسن فاروق، أكد على أن الحكومة لم تسقط بعد، وقال لـ(الجماهير): “لا تزال الثورة مستمرة إذ لا تزال الدولة العميقة موجودة، فقد قفز على السلطة (كيزان) جدد بمصالح جديدة، والذي يحاك بالشارع السوداني الآن يؤكد أن لا شيء قد تحقق سوى التخدير الذي ظل يطلقه القائمون على الحكومة بين حين وآخر لكسب الوقت”

، وقال فاروق: “الشارع معلم والثورة ثورة وعي والوضع – بحسب تقديري – يحتاج إلى تغيير بكامله والشوارع رهان ولن تخون وقادرة على إسقاط الموجودين”، وقبل أن يكشف فاروق، عن ما اعتبره مخططا كبيرا، قال إنه يحاك ضد الدولة السودانية لا يسمح بتحقيق ثورة حقيقية، لأن ذلك يهدد مصالح عدد كبير من دول العالم ومصالح كبار الشخصيات بالداخل، يقول: “إن هؤلاء استنفدوا كل الفرص وسلموا السلطة للعسكر، وأصبحوا رهائن مصالح وأجندة خارجية، لكن الشارع لا يزال يسيطر على الوضع وبإمكانه إسقاطهم”.
أولويات مؤجلة
ووفقا لوالد الشهيد عبد السلام كشة، فإن الحكومة الانتقالية التي جاءت نتاج ثورة ديسمبر المجيدة، ليست جديرة بالاحترام، كما أنها لم تعد تمثل روح الثورة ولا يجب أن يطلق عليها حكومة الثورة، إذ إنها وعلى مدى عامين من الثورة، لم تكن حريصة على تنفيذ أي من الأولويات والشعارات التي رفعها الشارع السوداني. فعلى سبيل المثال: لم تكن حريصة على الاقتصاص لدماء شهداء الثورة؛ والدليل على ذلك أن منظمة أسر الشهداء دفعت بعدد ثلاث مذكرات لرئيس الوزراء القومي، والنائب العام، ورئيس القضاء، ولم يسبق أن ناقشت الجهات الثلاث القضية مع ممثلي أسر الشهداء، هذا بخلاف تضيق الحريات والاعتداء علي مواكب الثوار السلمية من الأجهزة النظامية، والأحكام التي ظلت تصدرها جزافا في حق الثوار، لاسيما في موكب جرد الحساب، وموكب الحادي والعشرون من أكتوبر، التي لا تزال ملفاتها أمام القضاء. وأضاف في حديثه لـ(الجماهير) أن الناظر للوثيقة الدستورية يجد أنها معطوبة ومعيبة، إذ نصت على تكوين لجنة قومية للتحقيق في مجزرة فض الاعتصام ولم نجد سوى التماطل على مدى (17) شهرا، ولا تزال الملفات لما تتحرك والحصانات لما ترفع من العسكريين، وليس هذا فحسب، بل فوجئنا بأن الناطق الرسمي يقول إنه لم يستدع بعد؛ ليبقى السؤال ماذا كان يفعل رئيس لجنة التحقيق في عملية فض الاعتصام نبيل أديب، طيلة الفترة السابقة؟.
أكبر الإنجازات
