رأي

بتول المسلمي تكتب.. كارثة بيئيَّة وشيكة

بتول المسلمي

(لأهل السُّودان الحقّ في بيئة طبيعيَّة نظيفة ومُتنوعة، وتُحافظ الدولة والمواطنون على التنوع الحيويّ بالبلاد وترعاه وتطوره).

 هذا ما نَصَّ عليه الدستور الانتقالي السُّوداني للعام 2005، في المادة 11 الفقرة (أ) .

وعلى عكس هذه الفقرة تمامًا، يعمل المواطنون والدولة على إفقار البيئة، وتدميرها، في جريمة غير مُغتفرة .

عندما تَتَجوَّل في شوارع الخرطوم، تعبئ رئتيك برائحة القذارة، وفي أذى بصري و نفسي واضح، انفجارات لمياه الصرف الصّحي تصنع مستنقعات، تنتشر في كلّ متر من شوارع العاصمة، حتى أمام المنازل، والمحلات .

أما الأسواق، فتمثل مركزًا لتراكم الأوساخ، إذ في الأسواق المركزيَّة للعاصمة، حيث بائعي الخضراوات والفاكهة والمواد التموينيَّة، تلفت النفايات الموزَّعة على الأرجاء الأنظار أكثر من البضاعة نفسها، ما يكوّن بيئة خصبة للأمراض التي تنتشر بين السودانيين بكثرة .

على جانبي الطرقات وفي منتصفها، تتكدَّس أكياس القُمامة المبعثرة .

كأن ساكني هذه المدينة أشباح لا بشر، نعم أصبحت الخرطوم مدينة أشباح بملامح باهتة وقذرة .

وأصبح المواطن غير مبالٍ، كأن هذه الكارثة لا تعنيه بشيء، ينتظر من الحكومة الفاشلة أصلًا حلولًا مُستعجلة .

فالمحليات توقفت تمامًا عن العمل على نظافة المدينة، وعرباتها الناقلة للنفايات اختفت تمامًا، ومنذ فترة طويلة، والنتيجة أن العاصمة غارقة في القذارة، ومدفونة تمامًا تحت أرتال النفايات .

المُشكلة تراكمت على مرّ السنين، أوساخ تتكدس فوق أوساخ، لم تحتملها الطبيعة، وهي بالطبع انعكاس لأوساخ مكدسة من نوع آخر، فأوساخ الحكومات المُتعاقبة لم تتوارَ، لكنَّها دفنت تحت نفايات سياسية مستجدة .

لهذه المدينة علينا حقٌّ؛ حقُّ أن تكون نظيفة، وليس ذنبها أنه مقرر عليها أن تعكس دواخلنا المؤذية، ليس ذنبها أن الفشل مكتوب على حكوماتها، و أن اللامبالاة صفة إنسانها  المتبلد، الذي يستطيع أن يعيش في بيئة مثل هذه البيئة التي تحاوطها القذارة من كل اتجاه، دون أن يشعر بالسوء .

قديمًا كانت عبارة ( فلنحافظ على نظافة مديتنا) في كلّ مكان، يجب أن تستبدل هذه العبارة بـ ( فلننظف مدينتنا أولًا) .

فلننظف مدينتنا حتى تصبح مكانًا صالحًا للحياة، يليق بآدميتنا، وحتى نمنع كارثة بيئيَّة وشيكة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ