
الترتيبات الأمنية؛ مبررات التأخير، وألسنة المخاوف
الجماهير: أيمن المدو
بعد نحو شهرين على توقيع اتفاق السلام بين الحكومة الانتقالية في السودان، وحركات الكفاح المسلح، في الثالث من أكتوبرَ الماضي، وما يزيد عن أسبوعين منذ وصول قادة هذه الحركات إلى العاصمة الخرطوم؛ إيذانًا بتنفيذ الاتفاق، لا يزال إنزال الترتيبات الأمنية لأرض الواقع يراوح مكانه؛ ما يثير قلق السودانيين، مع وصول طلائع الحركاتِ – مدجَّجةً بالأسلحة – إلى بعض المدن الرئيسة في البلاد، بما فيها الخرطوم.
وكان عضو مجلس السيادة الانتقالي، وعضو وفد الحكومة الانتقالية إلى مفاوضات السلام، الفريق أول شمس الدين كباشي، قد قلَّل من المخاوف بشأن وصول طلائع الحركات، في وقت لا زالت الترتيبات الأمنية فيه بانتظار التنفيذ.

تنصُّ اتفاقية السلام على بدء تطبيق الترتيبات الأمنية بعد أسبوع من التوقيع النهائي، وذلك بالبدءِ في عمليَّات التجميع والتحقُّق والفرز، ثم الدخول إلى مراحل النزع والتسريح وإعادة الدمج لأولئك الذين لا يتم استيعابهم في السلك العسكري، ويثير هذا التأخير المخاوف من عدم تنفيذها لحساسية هذا البند في اتفاقية السلام.
أسباب التأخير
وقال كباشي في حديث لـ”قناة النيل الأزرق” الإثنين: “كان يجب أن تكون الترتيبات الأمنية نافذةً منذ تاريخ توقيع اتفاق السلام (3 أكتوبر 2020)؛ لا بتاريخ المصادقة على الاتفاق (صادق مجلسا السيادة والوزارء على الاتفاق في 13 أكتوبر 2020)”. وعدَّد الكباشي، جملةَ أسبابٍ قال إنها موضوعية للتأخير، بينها تأخُّر فريق الوساطة في تسمية ممثليه في لجان الترتبيات الأمنية، وتأخُّر الترتيبات الداخلية بالنسبة للحركات المسلحة.
وحسب كباشي، فإنه لا خوفَ من طلائع بعض الحركات المسلحة التي دخلت بعض المدن بما فيها الخرطوم، مشيرًا أنَّ تلك القوات دخلت بتنسيقٍ كاملٍ مع الحكومة وهي عبارة عن حراساتِ يتراوح تشكيلها بين (سرية) إلى (فصيل)، وقال كباشي: “لذلك فالأمر ليس مخيفًا ولا نخشى من أي احتكاكات”.
الترتيبات الأمنية

ينصُّ اتفاق الترتيبات الأمنية الموقَّعِ بين الحكومة وقوى الكفاح المسلح؛ على ضرورة دمج قوات قوى الكفاح المسلح في الجيش السوداني على ثلاثِ مراحلَ، إلى جانب تشكيل قوة عسكرية مشتركة من الجانبين تحت مسمى: (القوى الوطنية لاستدامة السلام في دارفور)، وتحديد مهامها حول بنود حفظ السلام، وحماية المدنيين؛ بجانب نزع السلاح، ومعاملة شهداء الحركات أسوة بشهداء القوات المسلحة السودانية.
خميرة عكننة
وبحسب محللين، فإن بندَ الترتيبات الأمنية يمثل أحد أهم بنود وأولويات اتفاق السلام، وفي الغالب فقد كان بند الترتيبات الأمنية يمثل (خميرة عكننة) على طاولة التفاوض بين الحكومة والحركات في الجولات السابقة، إذ دائمًا ما يكون القشة التي تقصم ظهر أي بين الفرقاء السودانين.

وحسب الفريق شمس الدين كباشي، فإن الجانب الحكومي سمى ممثليه في لجان الترتيبات الأمنية وبانتظار جانب حركات الكفاح المسلح والوساطة، متوقعًا بدء العمل بنهاية الأسبوع الحالي؛ حتى في حال غياب ممثلي الوساطة.
وتهدف الترتيبات الأمنية في خاتمة المطاف حسب اتفاقية السلام، إلى خلق جيش سوداني واحد، وبعقيدة عسكرية واحدة، لكن السؤال المطروح هو: إلى أي مدى يمكن أن يشكل هذا البند عقبة أمام تنفيذ الاتفاق بصورته المطلوبة؟.
قناعاته راسخة
القيادي بالجبهة الثورية الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة ومسؤول الترتيبات الأمنية بالمفاوضات د. سليمان صندل، يجيب على السؤال المطروح بقوله: “نحن في قوى الكفاح المسلح قناعتنا راسخة فإن الطرف الحكومي بشقيه المدني والعسكري لديه رغبة قوية وإرادة سياسية أكيدة لتنفيذ الاتفاق كما ينبغي وأضاف بموجب ذلك لا تتوقع أن يشهد الملف أي تعقيدات أو عراقيلَ من شأنها أن تفضي إلى عدم إتمامه بالصورة على النحو الأمثل.
مهام خاصة
وبشأن وضعية حمل السلاح لقوات الحركات في المدن قال صندل لـ(الجماهير) إنه وبموجب بروتكول الترتيبات الأمنية تم استثناء بعض قواتنا المسلحة حيث سُمِحَ لها بالوجود بكامل عتادها العسكري في العاصمة الخرطوم، وذلك لحماية المسؤولين والشخصيات المهمة من قوى الكفاح المسلح، إلى حين إتمام كافة بنود الترتيبات الأمنية مبينا أنَّ ملفَّ الترتيبات الأمنية يعد من البرتكولات المهمة في عملية إتمام التفاوض والاتفاق، بجانب أنه يمثل العمود الفقري لإتمام مشروع السلام من خلال استيعاب كافة قوات قوى الكفاح المسلحة في القوات المسلحة السودانية.

ومن جانبه أشار القيادي بحركة العدل والمساواة مستشار الرئيس للشؤون الثقافية نجم الدين موسى، إلى تَفَهُّم السلطة الحالية لمعاني السلام، بما يجعل بند الترتيبات الأمنية يمرّ دون أيّ عراقيل. وقال في حديثه لـ(الجماهير) إنَّ جميع الأطراف اقتنعت بضررة تجاوز محطات الترتيبات الأمنية والمُضيّ قُدُمًا في تحقيق السلام .
أهم الأولويات
المتتبع لحيثيات اتفاق سلام جوبا، يُدرك ومن الوهلة الأولى أن بند الترتيبات الأمنية تمَّ التوافق عليه من الجانبين، بعد عملية مخاضٍ عسيرة ويتفقُ مع هذه الفرضية الناطق الرسمي باسم حزب البعث القيادي بقوي الحرية والتغيير عادل خلف الله، والذي أشار إلى أنَّ بند الترتيبات الأمنية قد نال حيّزًا واسعًا من جولات التفاوض، وقال، بعد إجراء عمليات الجرح والتعديل عليه تمَّ الاتفاق حوله من الطرفين الحكومة والحركات، ووصف التمحيص والتدقيق الذي تمَّ لبند الترتيبات الأمنية بأنَّ جعله من أهم أولويات الحكومة في المرحلة المقبلة. وفي هذا الصدد حَثَّ خلف الله، طرفي الاتفاق على بذل الجهد وإنفاذ هذا البرتكول الهام وإنزاله الى أرض الواقع.
ثغرات أمنية
وربما يُفضي حضور بعض قوات قوى الكفاح المسلح بكامل عتادها العسكري في الخرطوم، إلى ثغرات أمنية خصوصًا وانَّ مصفوفة الترتيبات الأمنية لم تباشر الجهات المعنية إلى إنفاذها، وهذه المخاوف سعى للإشارة اليها الخبير الإستراتجي اللواء المتقاعد عبد العال محمود، قائلا: إنَّ التباطؤ في مباشرة عمليات الدمج والتسريح وترك الباب مؤاربًا لقوات الحركات في حمل أسلحتها دون ضوابط في الخرطوم، قد يجعل المدينة مسرحًا مفتوحًا للأحداث، خصوصًا وأنَّ التعداد الحقيقي لعدد وتصنيف هذه القوات ما يزال مجهولًا، واصفًا – في ذات السياق – بند الترتيبات الأمنية بأنَّه يمثل حجر الزاوية في عملية بناء السلام، فهو يُعتبر من أهم بنود اتفاقية السلام فضلًا عن كونه يمثل مصفوفة توافقية بين كلا الطرفين، وحذَّر محمود، من مغبة الفشل في إنفاذ وإنزال بنود الترتيبات الأمنية إلى حيّز الواقع، قائلًا: “أيُّ فشل في هذه الترتيبات سيعيد الأوضاع إلى المربع الأول من الخصومة والإحتراب”.
