أخبارتقارير

خلافات (الشعبية).. خلاف حقيقي أم محض (حركة)؟

تحليل: ماهر أبوجوخ

بشكل دراماتيكي خرجت للسطح تفاصيل الخلافات الداخلية وسط قيادة الحركة الشعبية/ شمال التي تعرف إعلامياً بمسمى (قطاع الشمال) في أعقاب اجتماعات مجلس التحرير الخاص بإقليم جبال النوبة، وتسريب خطاب الاستقالة الذي تقدم به نائب رئيس الحركة عبد العزيز آدم الحلو للاجتماع الذي وجه فيه انتقادات لاذعة لرفيقه رئيس الحركة مالك عقار وأمينها العام ياسر عرمان.

يبدو عرمان الخاسر الأكبر من الخلافات الأخيرة، ولكن على المستوى المتوسط والبعيد فعلياً أبرز الرابحين

ولعل ما يجمع بين الثلاثي يتجاوز رتبة الفريق التي يتوشح بها ثلاثتهم وأحلام السودان الجديد وصحبة مؤسس الحركة الشعبية دكتور جون قرنق لخيبة وصدمة رحيل قرنق والانفصال وحتى صراع رفقاء الأمس بجنوب السودان، وحلمهم في إمكانية إعادة إنتاج تجربة قرنق ونجاحه في فرض الجنوب وصموده رغم التقلبات الإقليمية والدولية وصولاً لمحطة نيفاشا وتحقيق ذات الأماني للمنطقتين.

كل تلك الأمنيات بدت وكأنها على شفا الانهيار بخروج خلافات الحلو مع رفيقه عقار وعرمان للعلن وإخراجه للهواء الساخن حول تباين وجهات النظر في مختلف القضايا خاصة التفاوضية، واتهام الأول للاثنين بتقديم تنازلات جوهرية في قضايا مناطق جبال النوبة، على رأسها المتصلة بمستقبل الجيش الشعبي الذي يطالب الحلو بالإبقاء عليه لمدة عقدين ــ عشرون عاماًــ ثم المطالبة بحق تقرير مصير المنطقة في حال التمسك بالشريعة الإسلامية.

 

لعل مشتقات معادلة العلمانية للوحدة أو تقرير المصير للشريعة أعادت التذكير بمعادلة شبيهة وردت في إعلان مبادئ دول متظمة الإيقاد الصادر في العام 1994م الذي اقترح دولة علمانية أو منح جنوب السودان حق تقرير المصير في حال تمسُّك حكومة السودان بالشريعة، الذي رفضته الخرطوم في بداية الأمر قبل أن توافق عليه نصاً بمشاركتها في أول جولة مفاوضات مع الحركة الشعبية على أساس مبادئ الإيقاد في العام 1997م، لتتم ترجمته روحاً في الاتفاق الإطاري الموقّع في ميشاكوس في يوليو 2002م.

لم تتضمّن استقالة الحلو أي إشارة لرؤيته حول قضية إيصال المساعدات الإنسانية التي باتت تمثل محور الاهتمام الدولي

تقاسيم الداخل

قبل تحليل الوضع الراهن داخل الحركة الشعبية/ شمال، في ظل التطورات المتصلة باجتماعات مجلس التحرير الخاص بمنطقة جبال النوبة (جنوب كردفان)، فمن الضروري إلقاء نظرة سريعة على مجمل الأوضاع الداخلية والتحركات الإقليمية بالمنطقة اللتين تلعبان عوامل مؤثرة على مجمل الأوضاع.

بخلاف الجوانب المرتبطة بالأوضاع الميدانية في مناطق جنوب كردفان الواقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية، فإن معطى أساسياً بدا في الظهور يتمثل في إرهاصات وجود مجاعة بتلك المناطق والتي وضحت من خلال التحذيرات الأمريكية التي وردت في مقال القائم بأعمال السفارة الأمريكية بالخرطوم استيفن كوتسيس في مقال نشره أوائل الشهر الجاري طالب فيه الحركة الشعبية بالموافقة على المقترح الأمريكي الخاص بإيصال المساعدات الإنسانية، مشيراً لوجود تنبؤات بانعدام الأمن الغذائي في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية.

هل تشبه تحوُّلات مواقف الأطراف الإقليمية والدولية تجاه الحكومة والحركة الشعبية ما حدث بالساحة الأنجولية؟

يمثّل الجانب المرتبط بالأمن الغذائي عامل ضغط شديداً على القيادتين السياسية والعسكرية، بشكل قد يترتب عليه حدوث تفلتات ستكون ذات آثار سياسية واجتماعية تعيد سيناريو الهجوم على رعاة الحوازمة بمنطقة الحجيرات الشهر الماضي، والتي تشير التحليلات إلى أن المحرك الأساسي لمرتكبيها يتمحور في محاولة سد النقص الكبير في الغذاء المتفاقم جراء المجاعة التي ضربت مناطق عديدة من جنوب السودان الذي كان يمثل بدوره خط الإمداد والتشوين لمناطق سيطرة الحركة الشعبية في جبال النوبة.

من الضروري عدم إغفال عوامل مؤثرة على المستوى الداخلي بمنطقة جبال النوبة بالنسبة للقادة الثلاثة، إذ يتفوق الحلو بالوجود وسط المقاتلين بتلك المناطق على عكس رفيقيه (عقار وعرمان)، مما يجعل العاطفة تجاهه من المتواجدين بجبهة القتال من المحاربين أكبر من رصيفيه، ثم لاحقاً قد تأتي عوامل إضافية كالإثنية أو المفاهيم والرؤى التي يحملها لكون التعاطف مع الرجل يرتكز في المقام الأول على اختياره مقاسمتهم الخنادق، وهي سمات قيادية مهمة للشخصيات العاملة في الأنشطة ذات الطابع العسكري وتعمق القبول وتكسب القادة احترام مرؤوسيهم.

 

 

مشهد الخارج

تمثل التطورات المرتبطة بالمشهد الخارجي عاملاً ضاغطاً على الحركة الشعبية ترتب عليها مفاقمة الأوضاع الداخلية، لعل أبرزها التطورات المرتبطة بالأوضاع في دولة جنوب السودان جراء تداعيات الحرب الداخلية العنيفة بين أنصار الحكومة والمعارضة هناك، وما تبعها من تأثيرات بإعلان المجاعة بعدد من الولايات هناك، وهو ما أدى لإغلا ق دائرة الحصار على مناطق سيطرتها بجبال النوبة.

فيما يتصل بالتطورات الإقليمية والدولية، فإن نجاح الحكومة في كسر طوق عزلتها وتحوّلها لحليف للمحور الخليجي وطرف ضمن مكوناته مشاركاً في عملية عاصفة الحزم باليمن والرفع الجزئي للعقوبات الاقتصادية الأمريكية لمدة ستة أشهر، والتحوّل الواضح في الموقف الأمريكي المساند والمتعاطف تاريخياً مع الحركة الشعبية تجاه دعم الخرطوم خاصة فيما يتصل بالجدل الدائر حول اتفاق ايصال المساعدات الإنسانية، وممارسة واشنطن ضغوطاً عنيفة ومكثفة بغية إقناع الحركة الشعبية بالقبول بالمقترح الأمريكي الذي ظلت تتمسك برفضه طيلة الشهور الماضية، وتزايُد الضغوط على الحركة الشعبية للتوقيع على وقف للعدائيات وإيصال المساعدات الإنسانية.

الأجواء الخلافية الحالية تعد مسوغاً لرفع مطالب وسقوف مطالب الحركة في قضيتي الترتيبات الأمنية وشكل الحكم بجنوب كردفان

ما يزيد من تعقيدات المشهد الخارجي بالنسبة للحركة، هو عدم وجود إرهاصات تشير لإمكانية حدوث انتكاسة فيما يتعلق بالموقف الأمريكي تجاه التعامل مع ملف السودان بعد وصول الرئيس المنتخب دونالد ترامب من واقع تزايد الزيارات المتبادلة بين الطرفين، وحتى الإعلان الخاص بأسرى (بوكو حرام) الصادر عن الناطق الرسمي باسم الحركة مبارك أردول الذي كان يهدف لتأكيد عدم التزام الحكومة بعدم دعم الإرهاب لم يحقق الهدف المقصود منه لسببين أولهما تقادم الفترة الزمنية لأسر أولئك الأسرى وهو أمر كان سيكون مختلفاً إذا ما تم أسرهم حديثاً، أما النقطة الثانية فهو ارتباط ذات البيان الذي تم الترويج له بخلافات الحركة الشعبية الداخلية.

تجربة (يونيتا)

الوضع الراهن داخل الحركة الشعبية يبدو متشابهاً بقدر كبير مع اختلاف التفاصيل لوضعية حركة الاتحاد الوطني من أجل الاستقلال الكامل لأنغولا المعروفة اختصاراً بإسم (يونيتا) التي أسسها جوناس سافيمبي في عام 1966م التي كانت تحظى بدعم غربي إبان الحرب الأهلية بالبلاد خلال فترة الحرب الباردة، فيما كانت الحكومة الأنغولية تحظى بمساندة الاتحاد السوفيتي وكوبا، وبعد سنوات حدثت تحولات داخلية وإقليمية ودولية جعلت الرئيس الأنغولي إدورد دوس سانتوس ينجح في إقناع القوى الغربية بتحوّله لحليف قادر على تحقيق الاستقرار مما أدى لتوقيع اتفاق أنهى الحرب مع يونيتا وتنظيم انتخابات في العام 1992م انتهت بخسارة سافيمبي للانتخابات الرئاسية التي رفض الاعتراف بها وأعلن رجوعه للحرب مجدداً.

أثمرت جهود غربية في إبرام اتفاق جديد مع الحكومة بعد عامين لكنه تحلل منه وقرر العودة لحمل السلاح الأمر الذي أدى لفقدانه لحلفائه وفرض عقوبات على حركة (يونيتا) من قبل مجلس الأمن الدولي في العام 1997م، لتنتهي قصة الرجل في فبراير 2002م حينما أثمر تعاون مخابراتي غربي في تسليم إحداثيات تواجده للجيش الأنغولي الذي هاجم مكان وجوده وأرداه قتيلاً بخمس عشرة رصاصة استقرت في جسده، وبعدها بأيام يلقى خليفته الجنرال أنتونيا ديمبو ذات المصير، لتعلن بعدها (يونياتا) رسمياً وضع السلاح وتحوُّلها لحزب سياسي.

نجد أن مواقف الأطراف الدولية في الصراعات يرتبط بالمصالح ولعل النموذج الأنغولي يصلح لتعضيد هذا المعطى، فبمعايرة التاريخ، فإن الرئيس الحالي دوس سانتوس – الذي قرر عدم الترشح في الانتخابات الرئاسية هذا العام- كان يصنف ضمن المعسكر المناهض للغرب والمتحالف مع المعسكر الشرقي في مواجهة سافيمبي و(يونيتا) المتحالفة مع الغرب والمناهضة للمعسكر الشرقي، حيث تبدلت المعادلة وبات عدو الأمس حليف اليوم، أما حليف الأمس فتمت المساهمة في القضاء عليه بتسليم الجيش الأنغولي إحداثيات تواجده وقُضي عليه ونائبه في ضربة واحدة، حينما تعارضا مع مصالح حلفائهما التاريخيين وأعاقا جهود إيقاف الحرب.

احتمال الانقسام

الخلافات الداخلية الأخيرة وسط الحركة الشعبية وقيادتها تحمل في جوفها تفسيرين، الأول يجعلنا أمام انقسام حقيقي بين جناحي الحلو في مواجهة عقار وعرمان، بسبب التباين والاختلاف في وجهات النظر، وهذا يقودنا عملياً لوجود حركتين متطابقتين في الاسم مختلفتين في الأجندة النهائية، يعبر الحلو عن السقف الأعلى للتطلعات (ترتيبات أمنية لمدة عشرين عاماً، علمانية أو تقرير مصير)، وفي ظل عدم تحقيق تلك المطالب فإن البندقية ستظل مستمرة ومرفوعة، في مقابل فريق ثانٍ بسقف تطلعات أدنى (ترتيبات أمنية تقود لتأسيس جيش جديد بدمج قوات الحركة الشعبية والمطالبة بالحكم الذاتي).

الحكومة متنازعة ما بين الموقف النفسي الشامت في عرمان والمخاوف المستقبلية من تنامي خطاب مطالب بتقرير مصير جبال النوبة

لعلّ الملاحظة الجديرة بالتوقف هنا غياب أي تعليق في خطاب استقالة الحلو الذي نشر على مستوى واسع عن القضية المركزية التي تهم الأطراف الإقليمية والدولية فيما يتصل بالموقف من قضيتي (إيصال المساعدات الإنسانية ووقف العدائيات)، على عكس موقف الطرف الثاني (عقار وعرمان) الذي يناقش تلك القضية والذي يبدي موافقة عليها من حيث المبدأ ولكنه يطالب بتحسين العرض المقدم.

بالاستناد لهذا الوضع، فإن مواقف الحلو تجعله عملياً أبعد عن الأطراف الدولية الفاعلة التي تسعى لإبرام اتفاق يفضي لإيصال المساعدات الإنسانية للمنطقتين عموماً ولمنطقة جبال النوبة على وجه الخصوص، وستجعل بالمقابل من عقار وعرمان الخيار المحبذ من الأطراف الخارجية للتوصل لاتفاق، وصحيح توجد تجارب سابقة لإبرام اتفاقيات جزئية في البلاد كما حدث في إتفاقي دارفور بأبوجا (مايو 2006م) والدوحة (2011م) إلا أن الفرق الأساسي بينهما يكمن في تحول موقف الأطراف الدولية من الحكومة السودانية وتغير توجهاتها من العمل على إسقاطها أو إضعافها بالضغوط للحرص على استقرارها بغرض جعلها حليفاً بالمنطقة.

 

 

فرضية تبادل الأدوار

الاحتمالية الثانية المطروحة بالمشهد الداخلي في الحركة الشعبية يجعل ما يحدث داخلها (تقسيماً للأدوار) داخلها بغرض تحقيق أهداف تفاوضية تؤدي لإعادة رفع سقف مطالبها من خلال تقديم عرضين على الطاولة الأول هو المعروف سلفاً والمعلن عنه بواسطة كبير مفاوضيه ياسر عرمان، أما الثاني فهو الجديد المعروض من الحلو ذي السقف المرتفع بشكل غير مسبوق الذي أظهر المواقف المقدمة من الأول في شكل (حمائم) عند مقارنتها بسقف الثانية الموصومة بـ(الصقور)، وهذا السيناريو يمنح الحركة الشعبية فرصاً إضافية.

ما أثار هذا السيناريو هو تزامن الانفجار العلني لهذه القرارات مع حملة دعائية واسعة انتظمت وسائط التواصل الاجتماعي بقرب صدور بيان يعد الحدث الأكبر منذ انطلاقة الحرب في يونيو 2011م وهدية للشعب السوداني في ظل أجواء إطلاق سراح الأسرى، ووقتها راجت تكهنات بأن الحركة ستعلن موافقتها على المقترح الأمريكي أو أي تحول أكبر، ليصدر بعدها بيان الناطق الرسمي باسم ملف السلام مبارك أردول والذي أعلن فيه اعترافات منسوبي جماعة (بوكو حرام) الموجودين ضمن أسرى الحركة واعتبار أن ذلك يؤكد استمرار صلة الحكومة بالإرهاب، وهو بيان فتح باب التساؤلات أكثر من تقديمه للإجابات، ولو كان الأمر مرتبطاً بالترويج لقرارات مجلس تحرير جبال النوبة لاكتفى أردول بالتعليق بعدم وجود بيان تعتزم الحركة إصداره، وبالتالي فإن الدعاية الكثيفة ثم إصدار بيان بوكو حرام وما تبع ذلك من تسريبات لوقائع اجتماعات مجلس تحرير جبال النوبة ثم استقالة الحلو نفسها جعلت تساؤلات تطرح حول تزامن تلك الوقائع التي جعلت جميعها الأوضاع داخل الحركة تحت دائرة الضوء، وكأنها مهدت المشهد لتسلسل تلك التداعيات.

نجد أن إثارة الخلافات في هذا التوقيت تعطي الحركة الشعبية حيزاً زمنياً إضافياً للمماطلة وعدم التوقيع وتخفيف الضعوط الدولية الشديدة الممارَسة عليها لكونها تجابه تحدياً داخلياً يهدد وحدتها، الأمر الذي يستوجب معه منحها بعض الوقت لمعالجة تلك الخلافات، هذا على المستوى الزمني، أما الموضوعي، فإن تلك الأجواء الخلافية ستتيح لها تجديد طرحها مواقف تفاوضية جديدة بالاستناد لظهور معطيات جديدة واعتراضات على القضيتين المفصليتين المرتبطتين بالمنطقتين (وضعية الجيش وشكل الحكم).

دعونا نحاول افتراض تطور هذا السيناريو بفرضيتين الأولى وجود وفد واحد للحركة الشعبية أياً كان رئيسه يعبر عن سقف مطالب الحلو، أو وصولنا لمرحلة وجود وفدين للحركة الأول بمطالب منخفضة يقوده عرمان والثاني بسقف أعلى يقوده الحلو ففي هذه الحالة فإن الرأي الوسط ما بين السقف المتدني المقدم من الحكومة والسقف المرتفع المقدم من الحلو هو ذاته النقطة الوسطى المقدمة من قبل عرمان وهو أعلى مما هو مقدم حالياً وأقل من المطلوب.

 

 

حيرة الحكومة

الحيرة الحكومية حول الخلافات داخل الحركة شمال يتنازع بين النفسي في إطار حملتهم الشخصية التي تستهدف عرمان باعتباره العائق الأساسي للتوصل لاتفاق سلام وبالتالي سعادتهم بانفجار الحلو الأخير، وآخر موضوعي بالقلق من أطروحات الحلو ومطالبه حيال قضايا الترتيبات الأمنية ومستقبل المنطقة، خاصة أن التعبير عن ذلك القلق من توجهات الرجل يستوجب تسجيل نقطة لمصلحة عرمان ومطالبه التي ظلت توصم بالتعنت والتشدد، فظهور موقف مهاجم لمواقفه تلك من نائب رئيس الحركة لدرجة اتهامها بتقديم التنازلات دون مقابل تنسف الحملة الطويلة التي وظفت ضده ومواقفه باعتبارها حتى لا تحظى برضا قيادات من الحركة الشعبية.

لعل ذلك التنازع حول هذين الموقفين هو ما جعل الحكومة في حيرة من أمرها أتفرح لزلزال الأرض تحت غريمها أم تخشى من مجابهتها بسقف مطالب يفتح الباب أمام تقرير مصير جديد لا يستطيع أحد أن يتكهن بنهاية ىنفتاح بابه على ما تبقى من أجزاء البلاد، خاصة مع مراجعة شريط الماضي حينما تعاملت الخرطوم بعاطفتها مع المنقسمين عن مؤسس الحركة الشعبية في انقسام الناصر بتوقيعها معهم وثيقة فرانكفورت في العام 1992م، التي أقرت فيها بحق تقرير المصير لجنوب السودان في إطار تكتيكاتها لإضعاف قرنق، ولكنها وجدت نفسها كلما حاولت التنصل من تقرير المصير بحجة الالتزام بعدم تعديل حدود الدول الإفريقية المنصوص عليها في منظمة الوحدة الإفريقية ثم الاتحاد الإفريقي في أي منبر من المنابر، كانت تجد وثيقة فرانكفورت حاضرة أمامها حتى انتهاء الجدل حول هذه الجزئية بالإقرار الصريح بحق تقرير المصير في الاتفاق الإطاري في ميشاكوس الموقع بين وفدي الحكومة والحركة الشعبية في يوليو 2002م.

حسابات الخسارة والربح

عند التمعن في المعطيات الراهنة داخل الحركة الشعبية- بغض النظر عن مقدار صحة فرضيتي الانقسام أو تبادل الأدوار- فإن النتائج التي يمكن التوصل إليها تشير إلى أن عرمان هو الخاسر الأكبر من هذه التحولات، لكن عند رؤية المشهد على المدى المتوسط والبعيد فنجد النتائج تشير إلى عكس ذلك، فعلى المدى المتوسط تبدو أطروحاته وتوجهاته المساندة للوصول لسلام – مع الاختلاف في التفاصيل- هي الأكثر تقارباً مع الرؤى الإقليمية والدولية، أما على المدى البعيد فإن سقف المطالب التي يتقدم بها باتت بالمقارنة بما يطرحه الحلو منخفضة ويوجد بون شاسع بينهما، وهو ما سيمكنه من إعادة تقديم وتسويق مطالبه تلك على المستوى السياسي والإقليمي والدولي وستمكنه على المستوى الشعبي والرأي العام المحلي من الالتفاف على الحملة الدعائية التي تُشن ضده باعتباره (المتشدد المعرقل للسلام) للنقيض من ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ينشر التحليل في صحيفة الصيحة الصادرة بالخرطوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ