رأي

الصادق وحيدر إبراهيم وقناة المقرن

عادل إبراهيم حمد

عندما كتب د. حيدر إبراهيم مقاله (حرب الهامش ضد الهامش وتهافت شعار السودان الجديد) تعرض لهجمة شرسة مورست فيها كل أشكال العنف اللغوي من فظ الكلام، بل وشكك البعض في حقيقة معارضته للنظام.. وليس ثمة شك في حق أي شخص في أن يبدي وجهة نظره فيما طرحه الكاتب المعارض، إلا أن الواقعة وغيرها أكدت أن قطاعاً معارضاً لا يستهان به يعتبر موقفه المحدد من النظام هو المعيار الذي تقاس به مواقف الآخرين، الذين يجب عليهم وجوباً أن تتطابق وجهات نظرهم مع هذا المعيار المثالي، وإلا عدوا في عداد المتخاذلين أو المتراجعين عن معارضة النظام، بل قد يوصفون بأنهم لم يكونوا معارضين أصلاً، وأن الواقعة موضع الهجوم قد أكدت الشكوك التي كانت تحوم حول مواقفهم.. تزداد غرابة التقييم المجحف عندما نستصحب معنا الظرف الذي كتب فيه دكتور حيدر مقاله، حيث نشر المقال والحركة الشعبية قطاع الشمال قد تعرضت لخلافات وانقسامات على أسس إثنية وقبلية، تتعارض مع دعاوى عن أفكار تقدمية تزيح الأفكار البالية التي أقعدت بالسودان القديم. وهو ما قد يمنح المقال قدراً من الموضوعية تمنع عن صاحبه التجني، وإن لم تمنح المقال حصانة ضد النقد. ليس حيدر إبراهيم وحده ضحية المعيار المثالي الأوحد الذي (يشهره) أوصياء في وجه آخرين يجتمعون معهم في معسكر المعارضة، إذ يتعرض الصادق المهدي رئيس الوزراء المنتخب الذي أطاح انقلاب الإنقاذ بحكومته، لذات الهجمة كلما أبدى رأيا لا يتطابق مع المعيار إياه، بل لا يتورع البعض من أن يتهم المهدي بأنه شريك في الانقلاب الذي أطاح بحكومته! ولا تستثني حتى قوى الإجماع الوطني من هذه الحالة العجيبة. ثالث الضحايا كان مؤسس قناة المقرن التي كانت قبل ظهورها حلماً للمعارضين، حتى بدا أن من يحقق هذا الحلم سوف يصبح قديساً في صفوف المعارضة. فلما تحقق الحلم صوبت سهام جارحة نحو المؤسس احتجاجاً على إجراءات متعلقة بتسجيل القناة، وتفاصيل صغيرة لا تقلل من أهمية الإنجاز الذي حققه الرجل. هذا الميل إلى تضخيم الخلاف ولو صغر، وإضعاف المشتركات ولو عظمت، سلوك مخالف لبديهيات العمل المشترك، وظاهرة تبعث القلق على مستقبل السودان السياسي، فعجز المختلفين في الرأي عن التعايش هو أول إشارات الفشل في النظام الديمقراطي المرتجى، كما أن إضفاء القداسة على طرح بعينه يفتح باب الوصاية واسعاً، وهو مهدد آخر للديمقراطية.

 

العرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ