رأي

الدوحة أقوم أم الرياض أدسم؟!

البراق النذير الوراق

لم يكن مدهشاً بالنسبة لي على الأقل، تطور التوتر بين السعودية وحلفائها من جانب، وقطر ومحمولاتها من الجانب الآخر، بعد حادثة تسريب خطاب منسوب لأمير قطر أعلى فيه من شأن إيران العدو التاريخي لغالب دول الخليج، وشجَّع من خلاله حماس، وأمَّن على أنها الجهة الشرعية لتمثيل الشعب الفلسطيني، لا بل واتهم جيرانه الأقربين بتحري الأطماع في بلده! ما كان سيكون مدهشاً هو إعلان السودان لموقف ما من هذا التوتر في التو واللحظة، وهو ما لم يخذلنا فيه النظام السوداني الذي كانت حصافته السياسية سبَّاقة لتُلهمه الصمت، ولكن ذلك لا ينفع إلا حتى حين. على أن جميع الأطراف بما فيها القاهرة التي تصطاد في ماء التوتر العكر، تعلم علم اليقين أن النظام السوداني قلبه مع قطر وعينه على السعودية، ولسان حاله يلهج بالمقولة الشهيرة المنسوبة لأبي هريرة: (الصلاة خلف عليّ أقوم وطعام معاوية أدسم والقعود على هذا التل أسلم).

 لقد زار البشير الدوحة قبل أيام من مؤتمر الرياض، ولذلك دلالة على أن قطر هي الملاذ الآمن عندما تحلولك الدنيا حول النظام السوداني والذي عُرف بأنه الابن والوريث للأخوان، بل واستوى ساقه على أيدلوجيتهم ولم يبارح دوحتهم حتى بعد أن انشق الأب الروحي لهم في السودان عن الحكم بعد أن شق بنوه عصا الطاعة في مفاصلة شهيرة. ما هو جدير بالنظر أن ميل قطر للحركات الإسلامية في المنطقة كان واضحاً منذ وجود الشيخ حمد بن خليفة الأب في الحكم، وقد تسيَّدت قناة الجزيرة في فترة ما- خصوصاً التسعينيات- الإعلام الناطق باللغة العربية وحاولت طبع صورة زاهية للحركيين ونهجهم للمتلقي، كما حاولت التطبيع بين أيدلوجيا الحركة وما تشتاقه المنطقة من تغيير في أنظمة الحكم، ولا أغالي إن قلت أن الجزيرة كانت إحدى الأعمدة (pillars)  بل هي رائدة في دعم قوى التغيير الثوري حتى أُنجز الربيع العربي في بعض البلدان ومن ضمنها مصر تحديداً. لذلك فإن توتر العلاقات مع قطر هو ذو أبعاد شتى، فالسعودية وحلفاؤها يرمون لما هو أبعد من الدوحة جغرافياً وسياسياً، إيران والأخوان وحماس وحزب الله، والأخيران صنو للأخوان وربائب لإيران.

وبهذه المعادلة فإن النظام السوداني لا حل له سوى الاختيار بين قوامة الصلاة خلف قطر ومحمولاتها، أو دسامة الطعام مع السعودية وحلفائها، أو إيثار السلامة بالقعود في تل الحياد وهذا أيضاً له ثمنه. أختم هذا المقال واستناداً على هذه القراءة، بالتأكيد على أن الأيام القادمات ستكون حاسمة لموقف السودان من أيدلوجيا الحركة الإسلامية، ليس على المستوى النظري والفكري فحسب ولكن على المستوى العملي والتطبيقي، فالواضح أن السعودية تمد حبل الصبر للنظام السوداني وهي تعلم ما يضمره من ولاء للنهج الحركي حتى وإن فارقه ظاهرياً وانتبذه لسبب براغماتي قاهر. السعودية لها مآرب مع النظام السوداني، ولكنها تعلم أن استمرار النظام السوداني في توخي الحركة الإسلامية يجعل ضرر العلاقة أكبر من نفعها، ولذلك هي ستضغط ليفارق النظام السوداني الحركة الإسلامية ظاهراً وباطناً، ولن تكون هناك فرصة لحدوث ذلك، أكبر من وجود الدوحة اليوم على منصة التنشين.

أما بالنسبة للوضع الداخلي فإن الأكثر فساداً هو ظن بعض قوى المعارضة ومنسوبيها بأن هناك خير يُرجى من حيرة النظام بين اختيارالهرولة نحو صفا السعودية أو التمترس في مروة قطر، فما هو مؤكد إن الأولوية فيما يحكم علاقات النظام الخارجية هو مدى دعم هذه العلاقات لاستمراره واستقراره وأمان منسوبيه، إن كانت هذه العلاقات مع السعودية أو إيران أو قطر أو حتى الشيطان نفسه. لذلك وطالما أن بعض هذه القوى المعارضة تنتظر كائناً خرافياً يهبط من السماء ليقتلع النظام من الأرض ويهديهم الحكم، فسيطول انتظارهم.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ