ثقافة

أنا حصاة تتبلور فوق جمر الأغنية

عصام أبو القاسم

يعتبر محمد عبد الحي (1944 أغسطس 1989) من أبرز شعراء الحداثة في السودان، وقد رسخ اسمه بين مجموعة من الأدباء كانوا شكلوا مدرسة ثقافية ستينيات القرن الماضي في الخرطوم على خلفية الحرب التي نشبت بين شمال وجنوب السودان (انتهت بانفصال الأخير 2011)، وكرد على الدعوات التي كانت تمايز بين السودانيين على أسس عرقية (عربية وأفريقية).

 

وعرفت تلك الموجة أو المدرسة الثقافية بـ «الغابة والصحراء». وقد اعتبرت قصيدة عبد الحي المطولة وعنوانها «العودة إلى سنار» 1966 بمثابة مانفستو أو بيان لتوجه تلك المدرسة التي شاءت أن تنظر إلى الهوية الثقافية للسودان بوصفها حصيلة التقاء للثقافتين الأفريقية والعربية (بحيث ترمز الغابة للقارة السمراء وتحيل الصحراء إلى الفضاء العربي). درس عبد الحي الأدب في جامعة الخرطوم وتخرج فيها عام 1967، وبعد سنوات قليلة نال درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي من جامعة ليدز عام 1970، ثم درجة الدكتوراه من جامعة أكسفورد عام 1973.

 

عمل أستاذاً بجامعة الخرطوم، ثم رئيساً لشعبة اللغة الإنجليزية بها، ثم رئيساً لشعبة الترجمة، ثم مديراً عاماً لمصلحة الثقافة عام 1976. أصدر العديد من المصنفات الشعرية والنقدية، منها: «العودة إلى سنار» 1973، «السمندل يغني» 1977، «حديقة الورد الأخيرة» 1984، وصدرت له الأعمال الشعرية الكاملة بالقاهرة 1999، وله مسرحية شعرية بعنوان: رؤيا الملك – الخرطوم 1973. إضافة إلى العديد من الدراسات النقدية، وقد أصدر له مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي أخيراً أطروحته للدكتوراه، تحت عنوان «تجليات الشعر الإنجليزي والأميركي في الشعر العربي الرومانسي» بترجمة من عائشة موسى زوجته. فيما يلي مختارات شذرية من نصوص ومقالات وحوارات مع الشاعر الذي مرت ذكرى رحيله منذ فترة قصيرة.

 

محمد عبد الحي

 

الشاعر

 

الشاعر ليس نبياً، إنما هو إنسان معلق بين الخير والشر، بين الحمأ المسنون والنور المُتقى، الأنبياء غسلت الملائكة أفئدتهم من دنس هو في أصل التاريخ.

***

 

مفهوم

 

لا يوجد شعر حر إطلاقاً، لأنه لا يوجد فن حر إطلاقاً، أو قل إنها حرية صعبة المنال، لا تدرك إلا بالمثابرة وأخذ النفس بالشدة وزجرها عن الهوى الفني وغير الفني.

 

***

الذات الرومانتيكية مغلقة، إلهامها من داخلها، وحيويتها تتغذى من نفسها، فهي في النهاية: ذات عدميَّة.

***

 

عودة

 

حين أبحرنا إلى سنارعبر الليل. كانت شجرة التاريخ تهتز بريح قادم من جزر الموتى، وكان الكروان المرجاني يغني في غصون الشوك صوتاً

 

كان غنّاه على شرفة ترهاقا قديماً وانحدرنا خلف سور الغاب والصحراء كانت نبع خيل ها هي البوابة الأولى: أعدنا؟ كيف لا؟

 

***

 

حال

 

الشعر فقر والفقر إشراق

 

والإشراق معرفة لا تُدرك

 

إلا بين النطع والسيف

 

***

 

مع الموت هنا أنا والموتُ جالسانْ في حَافة الزمانْ

 

وبيننا المائدةُ الخضراءْ والنردُ والخَمرةُ والدُّخانْ

 

من مثلنا هذا المساءْ؟

 

***

 

هوية

العربي يعيش في الصحراء يتبع مساقط الغيث، ويستقرئ البرق والرياح، ويهزه احتفاء الأرض بالحياة المتفتحة فيها حين يصيبها المطر، ويروعه هرير السيل حين تضج به الوديان، ويجرف شجر الصحراء وحيوانها وجلاميدها ورسومها المهجورة قبل أن ينحسر فيرتعش الرمل بالزهر البري، يغمر الهواء بأريجه وتبتهج الطيور كأنها سكرى بتجدد الطبيعة وهياج الخصب.

من أعمال التشكيلي السوداني حسين جمعان

***

معرفة

 

هل يجدي أن نعرف؟

 

لن يعشق أجملَ من في الغابة ويتوجه بالأسماء ويرثيه غير ملاكٍ من خارج هذي الأيام الصخابة!

 

***

 

جيل

 

أعتقد أننا جيل الشعراء الذي لم يقرح أجفانهم نقع الشعراء الذين زحموا الساحة في الخمسينيات والستينيات (القرن الماضي) وتعاضلوا وتعاركوا حول مفهوم «الحداثة» ومن أكثر حداثة؟ ومن أول من كتب شعراً حراً قبل صاحبته أو أخيه.. إلخ هذه السفاسف أقول إننا في مناخ أصفى ولا يهمنا كثيراً من كتب شعراً حراً (…) فإلصاق كلمة «حر» بالشعر ضرب من العبث والفوضى.

 

***

 

العودة إلى سنار

 

افتحوا للعائد الليلة أبوابَ المدينة.

 

افتحوا الليلة أبواب المدينة.

 

– «عربيُّ أنتَ؟»

 

– «لا»

 

– من بلاد الزَّنج؟

 

– لا

 

أنا منكم. تائهٌ عاد يغنِّي بلسانٍ ويصلَّي بلسانٍ من بحارٍ نائياتٍ لم تنرْ في صمتها الأخضر أحلامُ الموانئ.

 

***

 

هل أنا غير حصاة تتبلور فوق جمر الأغنية؟

………………………………….

المصادر

 

* مجلة حوار – فبراير 1966

 

* البيان الكويت – نوفمبر 1973

 

* مجلة مواقف سبتمبر 1971، وأبريل 1973

 

* مجلة الدوحة قطر/ يوليو 1979

 

* مجلة شعر لبنان يونيو 1969

 

* مجلة الناقد لندن سبتمبر 1988

 

* مجلة المعرفة سوريا/ أكتوبر 1979

………………………………….

“عن الاتحاد الإماراتية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ